بينما تتسرب معلومات عن مشروع أميركي محوره حل الدولتين يتم عرضه على الجانب الفلسطيني ودول فاعلة في المنطقة، وتتواصل اجتماعات ولقاءات على مستويات متعددة الأطراف لبحث تلك المقترحات التي ـ بحسب ما يتسرب ـ تغفل المقاومة وترفض الاعتراف بأي دور لها، وتضع السلطة الفلسطينية ـ بنسختها المعدلة ـ في موقع من يتولى المسؤولية في مرحلة ما بعد تحرير غزة. ترتفع وتيرة المواجهة في القطاع، وتزداد الحالة المعيشية للغزيين سوءا.
فإضافة إلى القتل والتدمير والتشريد تتواصل عمليات التجويع والسكن في العراء تحت البرد والمطر وقلة مواد الإيواء الضرورية. تتنكر إسرائيل وحلفاؤها لقرار” الجنائية الدولية”، وتمارس الإدارة الأميركية وبعض الدول الغربية عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين بإعلان توقفها عن دفع التزاماتها لموازنة الأونروا بزعم أن عددا من موظفيها شاركوا في طوفان الأقصى. الأمر الذي يفسر بأنه مشروع لتصفية القضية الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه تتوالى الحرب في القطاع وتتسع دائرة الصراع وتستهدف مصالح أميركية وإسرائيلية وتؤسس لمجالات أخرى ترتقي إلى مستوى” العالمية”. ويتواصل التشدد الأميركي والإسرائيلي، إما كموقف تفاوضي، أو كحقيقة لما يريده اليمين الإسرائيلي المتطرف والأميركي المتصهين. أو ما يريده بنيامين نتنياهو من رغبة في التمسك بالسلطة لمصالح حزبية أو شخصية تتمثل بحماية نفسه من المحاكمة والسجن والسقوط خارج إطار الحكم. مستغلا نجاحه في حشد تيارات متناقضة للوقوف إلى جانبه لـ” مصلحة إسرائيل”. ويستغل تلك الحالة في توسيع دائرة الصراع، والتنكر لقوة المقاومة وقدرتها على إدامة قوتها وإزعاج الطرف الآخر وايقاع أكبر الخسائر في صفوفه. وأنها تمتلك مشروعا سياسيا يحظى بتأييد شعبي عالمي واسع يمكنها من التعاطي مع المستقبل وتجنيب المنطقة والعالم مواجهة ترتقي إلى مستوى حرب عالمية جديدة بدأت ملامحها تتضح شيئا فشيئا.
فوسط إجماع على أن العملية التي استهدفت موقعا على الحدود الأردنية العراقية السورية شكلت تحولا خطيرا في الصراع الذي تجاوز حدود غزة، يبدو التوقف ضروريا عند تطورات لا تقل خطورة عن تلك الحادثة، وتتمثل باتساع دائرة الصراع لأكثر من جهة، وإبقاء الباب مواربا لصراعات أخرى عديدة تعطي انطباعا بأن العالم بدأ يفقد أعصابه، وأن بدايات حرب كونية تطل من أكثر من مكان، وتحمل ذات اليافطة.
فإضافة إلى ما يحدث في قطاع غزة من تطورات واصلت إسرائيل التمرد على ثوابت العدالة الدولية. فقد تمردت على قرارات الجنائية الدولية، وأنكرت العديد من الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين. ومنها إنكار بلينكن سقوط عشرات الآلاف من المدنيين في تلك الحرب وادعى أن نسبة المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا” صفرا”. وهي ذات الرواية الإسرائيلية، التي سبقتها روايات رددها الرئيس بايدن وطاقم البيت الأبيض.
وهناك تطورات البحر الأحمر، حيث يواصل الحوثيون تتبع البواخر المتجهة إلى إسرائيل غير آبهين بالهجمات الجوية التي تستهدف مواقعهم. ومنها التطورات على الساحة العراقية حيث تواصل بعض التنظيمات تنفيذ عمليات ضد مصالح أميركية، كان آخرها قتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة ثلاثين عسكريا على الحدود الأردنية العراقية السورية. وقبلها عمليات في مناطق كردستان وباكستان وأفغانستان وسورية. وتلويح أميركي وإسرائيلي دائم بمعاقبة إيران.
ورغم الادعاء الأميركي والإسرائيلي بالحرص على عدم توسيع نطاق الحرب تواصل إسرائيل التحرش بلبنان بهدف جر حزب الله إلى المواجهة.
في المقابل بدت الجبهة الداخلية في إسرائيل أكثر تصدعا من أي وقت مضى، فإضافة إلى الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا أسست حكومة الحرب لخلافات أكثر عمقا، تمثلت بتقسيم الشارع والحكومة ما بين مؤيد لاستمرار الحرب ومعارض لها. وخروج مظاهرات تطالب بوقف الحرب والتفاوض على الرهائن وأخرى تطالب باستمرار الحرب وعدم إعطاء الرهائن أولوية التفاوض.
في الأثناء، تتمسك المقاومة بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ووقف الحصار والقتل والتعذيب وانتهاك المقدسات. وفي المقابل تتمسك إسرائيل برفض تلك الحقيقة والتنكر إلى الواقع الذي فرضته المقاومة. بينما تتحرك تنظيمات مؤيدة للحق الفلسطيني لضرب مصالح أميركية وإسرائيلية. وتتطور الأمور إلى ردود متبادلة وتصعيد خطير.
كل ذلك جعل المنطقة والعديد من المناطق في العالم أشبه ببرميل بارود على وشك الانفجار في أية لحظة. فما بين انقسامات داخلية مرشحة للتحول إلى حروب أهلية إلى مواجهات أساسها التعنت الإسرائيلي المدعوم أميركيا.
الغد