أمريكا تخطط لعزل روسيا .. كيف؟
د.حسام العتوم
29-01-2024 10:33 AM
مع اندلاع كل حرب و نشوب كل أزمة دولية تحرص أمريكا على أن تكون هي السيد فيها ، و تجر الغرب ، و حلف ( الناتو ) خلفها ، و عينها بشكل دائم على عزل روسيا دوليا ، و على فصل الصين عنها . وهو مؤشر على ضبابية أحادية القطب ، و على قرب مغادرته المشهد الدولي بعدما كان يتوازن مع قطب الاتحاد السوفيتي قبل عام 1991 . ومع انهيار الاتحاد السوفيتي صعد نجم روسيا الاتحادية كقطب عملاق أكبر من دولة ،وهو الذي كان يتزعم المنظومة السوفيتية ، وتم نقل كامل ترسانة السلاح النووي السوفيتي الى داخلها ، وبعد ارتفاع السنة الحرب الباردة مع الغرب الأمريكي على هامش الحرب الأوكرانية دفعت بجزء من مخزونها النووي تجاه بيلاروسيا – خط الدفاع الأول عنها . و تحاول أمريكا – أي الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الغرب تشويه صورة روسيا بعد اندلاع العملية / الحرب الروسية – الأوكرانية ومع ( الناتو ) بالوكالة التي فرضت على روسيا و لم تختارها ، و رغب الغرب بجرها الى وسط وحلها ، لكن روسيا التقطت اشارة المؤامرة الأمريكية مبكرا ، و فسرت لنا العملية/ الحرب .
لقد رصدت روسيا في وقت مبكر حراك الثورات البرتقالية الأوكرانية ( الاصلاحية ) منذ عام 2007 في عهد الرئيس الأوكراني ليونيد كوجما ، و كررت تسجيلها لتفاصيل انقلاب " كييف " عام 2014 ، و رصدت في داخله الخيوط اللوجستية الأمريكية و الغربية . فسحبت اقليم قرمها الى داخل عرينها ، و هو الروسي الأصل و التاريخ منذ عهد الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية و حرب روسيا مع الدولة العثمانية التي انتصرت فيها عام 1768 . و سبق للاتحاد السوفيتي في عهد الزعيم نيكيتا خرتشوف أن ضمه لأوكرانيا عندما كانت جزءا من الاتحاد ، و استمر أوكرانيا حتى في عهد الرئيس فلاديمير بوتين 60 عاما ، لكن ادارة " كييف " لظهرها بالكامل عن موسكو قلب الطاولة رأسا على عقب . ولم تحرك روسيا عمليتها العسكرية الخاصة التحريرية الإستباقية الدفاعية بتاريخ 24/ شباط / 2022 بهدف احتلال أوكرانيا و الحاق الأذى بالأوكران مثلا ، بل على العكس تماما تعتبر روسيا جارة التاريخ و الأوكران أخوة لشعوبها الروسية . و ركزت على أن يكون الهدف هو اجتثاث التيار البنديري المتطرف و نظام " كييف " المتطرف أيضا المتعاون مع أمريكا و الغرب و " الناتو ".
و بحكم أن روسيا دولة قانون و مؤسسات ، عادت لملف انهيار الاتحاد السوفيتي لتثبت عدم أحقية الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي التحالف مع " الناتو " أو مع أية دولة معادية لروسيا و للحلفاء من حولها مثل أوكرانيا كييف " . و حركت مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تقر للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا في الحرب الأوكرانية ومع " الناتو" بالوكالة الدفاع عن نفسها . وقبل ذلك عقدت جلسات حوارية مع سلطة " كييف " ، و اشركت بيلاروسيا و المانيا و فرنسا في اتفاقية " مينسك " التي كان من الممكن عام 2015 أن تحقق سلاما لأوكرانيا و للعالم ، لكن هيهات فلقد عبثت أمريكا تحديدا بأوراقها و أفشلتها . و استمرت " كييف " بقصف ناسها الأوكران و الروس على هيئة جريمة حرب راح ضحيتها أكثر من 14 الفا و شرد غيرهم على مدى أكثر من ثماني سنوات و لازالت تقصفه حتى الساعة ، وهو الذي رفض الغرب الأمريكي الألتفات اليه تماما كما يفعل الان أمام جريمة الأبادة الإسرائيلية في غزة 2023/ 2024 .
ولقد نجحت روسيا في تنظيم استفتاءات شعبية في كل الأقاليم الخمسة التي ضمتها مثل ( القرم ، و لوغانسك ، و دونيتسك " الدونباس " ، و خيرسون ن و زاباروجا ) ، و تتطلع لتحصين الدونباس بضم اقاليم أوكرانية أخرى مثل ( خاركوف ، و أوديسا ، و نيكولاي – الدنيبر ) كلما عملت أمريكا ومعها الغرب على اطالة الحرب التي تعتبرها روسيا مجرد عملية خاصة . وهي لم تذهب اليها الا بعدما ثبت لها بأن أوكرانيا راغبة بييع نفسها لأمريكا و الغرب و للناتو . و بعد نجاح روسيا الملاحظ في ميدان المعركة خارج حدودها السابقة قبل ضم الأقاليم السابقة الذكر هنا ، توجهت لتشكيل عالم متعدد الأقطاب يمثل شرق و جنوب العالم و يبقي الباب مواربا للغرب للانضمام أمام حتمية التحول و التغيير. و سبق لروسيا عام 2000 أن عرضت على أمريكا بيل كلينتون ضم روسيا للناتو لوضع حد للحرب الباردة و سباق التسلح ، وهو الأمر الذي أفشلته أمريكا وقتها .
و الملفت للأنتباه هنا ، هو بأن أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تظهر انحيازا و اضحا لنظام أوكرانيا – كييف بقيادة فلاديمير زيلينسكي ، الذي أضاع و نظامه السياسي فرصة الحوار مع موسكو و بتشجيع أمريكي أكثر من غربي يسهل رصده . و لا يجهد طرفه بالتقصي عن الحقائق ميدانيا و عبر لجان متخصصة ، و روسيا بالمناسبة أقرب لأوكرانيا من أمريكا و الغرب ثقافة وتاريخا و ديمغرافيا و جغرافيا . و يشكلان معا عمقا سلافيا و سوفيتيا سابقا ، و رغم انفراد كل دولة منهما بالتحدث بلغة مستقلة مثل الروسية و الأوكرانية ، ولغة الحدود بينهما روسية – أوكرانية ممزوجة تسمى بالخاخولية ، و عادات و تقاليد متقاربة ، و تاريخ مشترك ، و الأوكران الغربيون و رغم محاربتهم للغة الروسية الا أنهم يتحدثونها في السياسة و الدبلوماسية و الحياة الأجتماعية .
وتصفق أمريكا بحرارة في كونغرسها للرئيس زيلينسكي – فنان الأمس الكوميدي ،و صاحب مسرحية خادم الشعب التي حولها سياسيا خادما للغرب من حيث يدري أو لا يدري ،وتتناسى لقاءات جنيف الدافئة مع الرئيس بوتين ، و تغمض أعينها عن اللقاءات الأمريكية – الروسية الرئاسية الناجحة و المتميزة في عمق الزمنين الروسي و السوفيتي الأمريكي . و شاهدناها تدعو لمؤتمر في ميونخ في المانيا حول أوكرانيا من دون دعوة روسيا الطرف الاساسي في الحرب و السلام . و تكرر دعوة العالم الى سويسرا حول أوكرانيا من جديد من دون دعوة روسيا ثانية ، بينما تقر سويسرا على لسان وزير خارجيتها بأنه يستحال اقامة سلام في أوكرانيا من دون روسيا . و توجه أمريكا عبر أوكرانيا – زيلينسكي دعوة للصين لحضور قمة سويسرا حول أوكرانيا بهدف احداث شرخ في العلاقات الصينية – الروسية و لعزلة روسيا عالميا ، وهو المستحيل .
و في شأن حرب غزة ، و التي سببها التاريخي هو الاحتلال الإسرائيلي و غطرسته و همجيته و عنصريته على مدى 75 عاما ، و ليس بسبب هبة و صيحة حماس تحت شعار طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 فقط ، نلاحظ كيف و اجهت أمريكا في مجلس الأمن المبادرة الروسية لوقف الحرب التي تسببت في ابادة إسرائيلية لأهل فلسطين في غزة وعن قصد و سبق اصرار و برمجة بفيتو رافض وسط سعير الحرب الباردة و سباق التسلح . و كيف أعاقت فرصة الحوار الروسي بين إسرائيل و حماس . و في التاريخ المعاصر أفشلت أمريكا لجنة الرباعية حول فلسطين فقط لأن روسيا شريكة فيها . و الكلام يطول و لا يجف .