تصورات واعدة عن تعليم الإعلام
أ.د عبد الرزاق الدليمي
28-01-2024 08:27 PM
تُعرِّف اليونسكو التعليم الإعلامي بأنه المجال ذو الأولوية في التنمية التعليمية الثقافية في القرن الحادي والعشرين، ظهرت البدايات الأولى في التعليم الإعلامي في عشرينيات القرن العشرين في فرنسا. كما أن التعليم الإعلامي في بريطانيا العظمى وروسيا قديم أيضًا، حيث يعود تاريخه إلى عشرينيات القرن الماضي. في الوقت الحاضر أصبح التعليم الإعلامي مهمًا في العديد من البلدان. ولا تزال فرنسا، إلى جانب بريطانيا، واحدة من أكثر الدول الأوروبية نشاطا في تطوير وسائل الإعلام والتعليم في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. تم مؤخرًا نشر عدد لا بأس به من الكتب ومجموعات المقالات والكتب المدرسية وغيرها من المنشورات في بريطانيا العظمى، وترجمتها إلى لغات أجنبية. بدأت المدارس في ألمانيا ممارسة التعليم الإعلامي من خلال دمجه في المناهج الدراسية المطلوبة ويتم تدريس الثقافة الإعلامية في غالبية الجامعات الألمانية.
تتمتع كندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية بتعليم إعلامي متطور. على الرغم من الصعوبات التي واجهتها في التسعينيات، فإن محو الأمية الإعلامية يتمتع بآفاق جيدة في روسيا. يمكننا أيضًا أن نرى التقدم السريع في التعليم الإعلامي في دول أوروبا الشرقية الأخرى. أصبحت المجر أول دولة أوروبية تقدم دورات إلزامية للتعليم الإعلامي في المدارس الثانوية.
مع تقدم التقنيات الجديدة عبر الإنترنت والهاتف المحمول، أصبحت الآثار المترتبة على نموذج التعليم الاكاديمي التقليدي لتعليم المناهج الدراسية الاعلامية عميقة. وتمثل القدرة على إنشاء مواد تعليمية جديدة ومشاركتها والتعاون فيها ونشرها بداية ثورة عالمية في تطوير المناهج الدراسية. يمكن تطبيق أطر التعليم الإعلامي القائمة على الأبحاث على جميع المواد، وهي تمكن المدرسين من الثقة بأنه عند استخدام الأطر لمعالجة الموضوعات أو المشاريع الأكاديمية، بما يكتسب الطلاب معرفة المحتوى. كما يوفر التدريس من خلال استراتيجيات تعليم الإعلام الفرصة لجعل الاساليب الإعلامية مركزية في التدريس والتعلم، حيث أن مهارات عملية التعليم الإعلامي تمكن الطلاب من أن يصبحوا متعلمين ذاتيين مدى الحياة، قادرين على معالجة أي موضوع. وهذا يتطلب فهم سليم لخصائص المناهج التي تستخدم أطر التعليم الإعلامي واختلاف هذه المناهج عن المناهج التقليدية ومعرفة لماذا يجب على المعنيين أن يتقبلوا هذا التغيير مع تحول التعليم من الفصول الدراسية الورقية وجهًا لوجه إلى مناهج أفضل وأسرع وأرخص تعتمد على التكنولوجيا، يحتاج المعدرسون والطلاب إلى أساليب جديدة ومثبتة وموارد مناهج دراسية لتقديم دروس ونتائج فعالة. ومع وجود رؤية علمية سليمة لتعليم الإعلام، فإن هذا التحول ليس ممكنا فحسب، بل إنه ضروري أيضا لتوفير المناهج الدراسية للفصول الدراسية المعولمة.
حرصت كثير من المؤسسات التعليمية المختصة بتدريس الاعلام على اعتماد معايير دقيقة ونوعية في عمليات التدريس مثل تحديد الهدف التعليمي المرجو تحقيقه، من وراء تحديد طريقة التدريس،مع مراعات تفاوت مستوى استيعاب الطلبة وفهمهم، ومناسبة الطريقة التدريسية لجميع الطلبة ،وملاحظة وجود الحالات الإنسانية، أو وجود الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة وطبيعة المادة الدراسية المراد شرحها و فهم المدرس لعملية التعليم، والزوايا التي يرى من خلالها العملية التعليمية وتحقيق المتعة لدى الطالب عند تلقيه للمعلومة المشروحة، وتفاعله معها ورفع مستوى المشاركة الصفية، فلا تنحصر الحصة، أو الحوار الصفي بين الطلبة والجميع يتشارك الرأي والنقاش.
ومراعاة التغيُّرات الحاصلة في المحيط الاجتماعي والتعليمي، إلى جانب التقدم التكنولوجيّ الهائل. المساهمة في تطوير شخصية الطالب، فالمشاركة الصفية وتعامل المعلم الواعي مع طلبته يرفع ثقة الطالب بنفسه، ويدفعه نحو التعلُم.
ان جميع هذه المعايير نابعةٌ من نظريات التعلُم التي وضعها كبار العلماء والمتخصصين في مجال التعليم وهي قابلةٌ للتطوير ولا تبقى ضمن حدودٍ مُعينة، حيث يمكن للمدرس إدخال التعديلات عليها بعد تجريبها، أو عند إلهامها له بنقاطٍ إضافية لم يكن يراها إلّا بعد تطبيقه، مراعاة جميع الأعمار، حيث يتجنب المدرس استخدام المفاهيم التي تفوق فهم الطلبة مع اهمية التركيز على الموضوعات الأساسية للمادة الدراسية، وما يُضاف إليه يجب أن يكون متصلاً به أو يؤدّي إليه. اتّباع أساليب سهلةٍ وممتعةٍ، فجو الجدية يمقته الطالب ولذلك تحرص المؤسسات التعليمية الناجحة على استخدام الوسائل التعليمية المُتاحة، وممارسة العملية التعليمية وفق إمكانيات المتاحة دون الإخلال بجوهر العملية التعليمية وأهدافها السامية وخلال السنة الأولى يتعرف الطلاب على النظريات والأبحاث التي تستكشف دور وسائل الإعلام في المجتمع. أما خلال السنتين الثانية والثالثة يتعمق الطالب في الدراسة بشكل كبير، ويستكشف تأثير وسائل الإعلام على الحروب، العرق، الجرائم، السياسة، الرياضة، وغيرها.مع ظهور رؤى جديدة لتعليم الاعلام يستكشف متخصصو الإعلام الإبداعي القدرات والقيود الجديدة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. إحدى أكثر المفاهيم تأثيرًا وشهرة في تنمية العلم وبنية الثورات العلمية وهي أن العلم لا يتطور بطريقة خطية، مع تراكم المعرفة خطوة بخطوة، ولكنه بدلاً من ذلك، عبارة عن عملية الثورات المستمرة التي تحل خلالها مجموعة جديدة قوية من الأفكار محل الأفكار المقبولة سابقًا. ويتبع ذلك نقلة نوعية، أطلق عليها الثورة العلمية، حيث يتم استبدال النموذج القديم بنموذج جديد.
رغم كون اغلب المؤسسات التعليمية اعتمدت مناهج نوعية منذ تاسيسها الا ان ذلك لايمنع من العمل بشكل دؤوب على التطوير الدائم بما يواكب التطور في تدريس المناهج العلمية في العالم وعلى سبيل المثال لا الحصراسهم ظهور الإعلام الرقمي في زيادة عدد العاملين في مجال وسائل الاعلام، بعد تحول عدد من الصحف العالمية من ورقية إلى صحافة الانترنيت، وازدياد حاجة المؤسسات الإعلامية كمحطات التلفزة والإذاعات لنشر محتوى رقمي على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بها؛ بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية. ولم يعد الأمر حكرًا على خريجي التخصص وحدهم، بل يكفي لشخص يمتلك هاتفًا ذكيًا وبعض الخبرة والمهارات الرقمية في التصوير والمونتاج أن يصنع قصة رقمية ينشرها وتنال رواجًا واسعًا. وضع هذا النموذج كليات الصحافة أمام تحدٍ حقيقي حول كيفية الخروج من الطابع الكلاسيكي لتدريس الإعلام وممارسته نحو المفاهيم الجديدة للصحافة الرقمية وأشكال النشر الرقمي؛ كالسرد القصصي الرقمي، وصحافة الموبايل، وإدارة غرف الأخبار الرقمية، بالإضافة إلى إدارة المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والتسويق من خلالهما.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يتميز الإعلام الرقمي بأنه "ديناميكي التطور" يومًا بعد آخر، فأنماط النشر الرقمي تتجدد بالتزامن مع ظهور منصات تواصل جديدة على فترات، بل باتت الدائرة تتسع لتشمل صحافة البيانات والمصادر المفتوحة، والمدونات الصوتية، إلى جانب تقنيات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار. ونحن نسعى الى تطوّير الخطة الدراسيَة والمخرجات التعليمية المناسبة لسوق العمل اخل الاردن وخارجه لمواكبة التطور في المجال الأكاديمي للتقدم التكنولوجي السريع في عالم الاتصال والإعلام ونحن الان بصدد اجراء تعديلًا نوعيًا على مفردات التخصص؛ تضمن تطوير المخرجات التعليمية لكل مادة ومن ثم ربطها بالمخرجات التعليمية المطلوبة للتخصص. وسندخل مساقات جديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، صحافة الهاتف المحمول، والتصميم الجرافيكي، والرسوم التوضيحية المتحركة، والشبكات الاجتماعية، وغيرها. كما طوّرت مساقات سابقة، مثل: إعداد وإنتاج الفيلم الوثائقي التلفزيوني، المدخل للاتصال التسويقي، والتقرير الصحفي الرقمي وصحافة البيانات وغيرها. تواكب متطلبات السوق وتمكن الخريج الإلمام العملي بالتقنيات والمهارات الرقمية في مجال الإعلام بأشكالها المختلفة؛ المرئي والمسموع والمكتوب .تعزيز مهارات الطلاب ليكونوا رياديين قادرين على تأسيس مشاريعهم الإعلامية الخاصة وإكساب الطلاب مهارات العمل عن بُعد، بما يساهم في التقليل من مشكلة البطالة في السوق المحلي. وإعلاء قيمة التدريب العملي خلال سنوات الدراسة الجامعية، والتشبيك مع المؤسسات العاملة في الميدان لإعطاء مساحة للطلاب للممارسة الفعلية وتطويرها.
في السنوات الأخيرة ، زاد نطاق المعرفة في مجال العلوم والتكنولوجيا بشكل كبير ، كما زادت قدرة الإنسان على التكيف مع المعرفة الجديدة في العلوم والتكنولوجيا.لذلك ، هناك حاجة ماسة للعقول المبتكرة والمبدعة لاستكشاف مجالات غير معروفة وغير مكشوفة من مجالات مختلفة. لمواكبة العالم الحديث وعصر التكنولوجيا الذي تحركه المعرفة ، فإن تبني الطرق الحديثة هو الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة لذلك ، يجب تعليم الطلاب بطريقة تتماشى مع القرن الحادي والعشرين ، وهو الوقت الذي تحركه التكنولوجيا والذي يتطلب عقول إبداعية ومبتكرة لتقدم الأفراد والمجتمع والأمة. كما يجب تعريف الطلاب بأساليب التدريس الحديثة وتزويدهم بالمعرفة الكافية حتى يتمكنوا من خلق الفرص لأنفسهم وللآخرين. إن طريقة التدريس الجديدة التي أطلقنا عليها استراتيجية التعليم الحديث تعتمد بشكل أكبر على النشاط وتركز عقل المتعلم الذي يشركهم بالكامل في عملية التعلم. في طريقة التدريس الحديثة ، يتم تدريس المناهج وتخطيطها بحيث يكون المتعلم هو الهدف الأساسي.من خلال هذه الطريقة ، يشارك المتعلمون بنشاط في العملية برمتها لبناء معارفهم وصقل مهاراتهم ؛ هذا ما يسمى أيضًا بالنهج البنائي.
الطلب الجديد للعصر أو الحاجة إلى الساعة للطلاب هو تبني أساليب التدريس المعاصرة التي ستساعد أيضًا في تقليل المنافسة بين الطلاب ، وتعزيز التعاون ، وتعزيز بيئة الدراسة السليمة.
تتطلب الثورة في مجال العلوم والتكنولوجيا أفكارًا عظيمة وجهدًا مكثفًا للتعامل مع أي نوع من الظروف القادمة في طريق التنمية ، من الضروري إعطاء الطلاب ليس فقط المعرفة ولكن لتحسين مهاراتهم من البداية والانتقال من القراءة والحفظ إلى التجربة والتجربة.
وفي هذا الاطار نذكر بمقترح سبق ان طرحناه وهو تمكين خريجي كليات واقسام الاعلام وتكليفهم بمهام تدريس مادة الثقافة الاعلامية في المدارس الثانوية وهي فرصة كبيرة للاستفادة من تخصصهم كونهم اقرب الى جوهر وهدف تدريس هذه المادة الدراسية المهمة جدا للجيل الجديد من ابنائنا اضافة الى توفير فرص عمل مناسبة.