شركات المياه ومشاركة القطاع الخاص
م. إبراهيم احمد حياصات
28-01-2024 01:44 PM
كان قطاع المياه من اوائل القطاعات التي بادرت في عام 1999 الى مشاركة القطاع الخاص في عمليات التشغيل والصيانة من خلال التعاقد مع شركة دولية وبمشاركة شركة محلية للقيام بإدارة أعمال المياه والصرف الصحي نيابة عن سلطة المياه في عمان (عقد الإدارة). وبعد انتهاء مدة العقد عام 2007، قامت الحكومة بتأسيس شركة مياه الاردن (مياهنا) بهدف البناء على ما تحقق والمحافظة على منجزات ومخرجات عقد الإدارة واستمرار العمل على القواعد والاجراءات الإدارية التي ارساها المشغّل لضمان استمرارية التحسن في تقديم الخدمات في منطقة عمان والعمل على الاسس الإدارية المعمول بها في القطاع الخاص.
وسبق تأسيس شركة مياهنا، تأسيس شركة مياه العقبة في عام 2004 وتلاها تأسيس شركة مياه اليرموك عام 2011 بحيث اصبحت حالياً جميع خدمات توزيع المياه والصرف الصحي في المملكة والمقدمة للمواطنين، باستثناء بعض المناطق في الاغوار، تُدار من قبل هذه الشركات، والمملوكة بالكامل للحكومة، بهدف تقديم خدمات افضل وتوفير مرونة واستقلالية في القرارات الإدارية والمالية.
وقامت الحكومات المتعاقبة بالتضييق على الشركات المملوكة لها من خلال فرض الانظمة والتعليمات الحكومية على عملياتها الأساسية مثل نظام المشتريات بحيث تم افراغ اهداف التأسيس من مضمونها وفقدت هذه الشركات مرونتها في إتخاذ القرارات الإدارية والمالية. ولا أقصد ان المرونة في هذا السياق تعني الانفلات، بل يجب ان ترافقها تعزيز الرقابة والتدقيق على أعمالها لضمان حُسن إدارة المال العام.
وبالرغم من ان الإتفاقيات الموقعة بين الشركات ووزارة المياه والري تعطي الشركات بعض الإستقلالية المالية والإدارية، إلاّ انه لا يتم الالتزام بها في كثير من الاحيان. وبحكم ملكيتها بالكامل للحكومة، اصبحت هذه الشركات عُرضةً للعديد من التدخلات بقراراتها وغياب الاسس لإختيار هيئات المديرين فيها وتعيينات القيادات الإدارية وإقالتهم، وبالتالي اصبحت قريبة من نمط التفكير الحكومي وتعاني من غياب ذهنية القطاع الخاص في احتساب التكاليف المترتبة على القرارات المتخذة حيث لا يتم الإكتراث، في غالب الأحيان، بتلك التكاليف على اساس انه يتم تغطية عجزها المالي من قبل الموازنة العامة من خلال موازنة سلطة المياه.
ان استمرار هذه الحالة في قطاع المياه سوف يؤدي بالتأكيد الى استمرار الخلل في إدارة الموارد المالية وتفاقم المشاكل المرتبطة بالترهل الإداري للقطاع وإعاقة التطور المطلوب، مما يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين هذه الشركات وبين سلطة المياه ومأسسة هذه العلاقة وإتخاذ اجراءات وقرارات لإعادة النظر في آليات العمل بحيث تتوفر ضمانه مستدامة لاستقرار واستقلال الشركات لا تكون عُرضةً لتذبذب السياسات والقرارات عند تبدل القيادات في وزارة المياه والري.
وما دامت الحكومة تملك تلك الشركات بالكامل، فإنه من الصعب تغيير هذا الوضع وإدخال التحسينات المنشودة. وهنا يمكن الاستفادة من تجربة مشاركة القطاع الخاص في شركات توزيع الكهرباء وما حققه من تحسين الخدمات وضبط التكاليف وتحقيق الارباح وزيادة الكفاءة. وبالتالي يتوجب توفير فرص مناسبة للقطاع الخاص لمشاركة قطاع المياه وتعزيز عمليات إدارة نشاطات المياه والصرف الصحي ودخوله في شراكة استراتيجية مع شركات المياه من خلال السماح له بإمتلاك ما لا يزيد عن 20% من الاصول ضمن مناطق الامتياز التي تتولى مسؤوليتها حالياً، مع اسناد ادارتها الى الشريك المقترح لإعطاء المزيد من الاستقلالية لها والعمل على اسس تجارية والسعي الى توفير النفقات وزيادة الايرادات وتحقيق الارباح.
ويمكن لدخول القطاع الخاص كشريك استراتيجي ان يساهم ويسرّع في تحقيق اهداف خارطة الطريق للاستدامة المالية لقطاع المياه التي اقرها مجلس الوزراء عام 2022 من خلال بناء علاقات تعاقدية بإهداف واضحة ونماذج مالية متوازنة ضمن هذه الشراكة بحيث تحفظ حقوق ومصالح جميع الاطراف، بما فيها المستفيدون من الخدمات. وبالتأكيد ان ذلك يتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب للوصول الى الغايات المقصودة.
* المهندس ابراهيم احمد حياصات/ خبير استراتيجيات المياه.