غزّة بين المنفعة واللامنفعة
فيصل سلايطة
28-01-2024 12:24 PM
جدال عميق دائر لم يتوقف منذ السابع من اكتوبر ، طرفيّ صراع كلٌّ منهما يرى فلسفته هي الأحق و الانفع و الافضل...ماذا خسرنا و ماذا كسبنا منذ طوفان الاقصى؟.
طرف يشجع و يفتخر ، و على الضفّة الاخرى برفض شديد قاطع يقولون " ماذا لم نخسر منذ العبور الأخير؟ ".
فإن نظرنا من مبدأ نفعي يسطّح منحنى الخسائر أو يبسّطها سنجد بأنّ العملية برمّتها هي "حالة اعجازية " من كسر هيبة و رتابة و سلطة الكيان الاسرائيلي ، نحن الذين كنا نظنّ بأنّ الذبابة لا تستطيع خرق الجدار وجدنا أنفسنا في ذهول أمام ما جرى ، فالخرق في حدّ ذاته مهما كان بسيطا هو حالة نجاح بمعزل عن أي نتائج ...
"غزة قضية عالمية"...لكي ننصف السابع من اكتوبر ، كانت قضية فلسطين على شبه حافّة النسيان ، فأحداث كثيرة يضج بها الاعلام باتت تسحب ورقة الصراع العربي الاسرائيلي أكثر نحو المحلية أو حتى البيت الفلسطيني الداخلي ، لكن منذ اكتوبر باتت القضية مسألة عالمية مطروحة بقوة ، أصبح بها الطفل الاوروبي يعي و يدرك ما يحدث في فلسطين من أهوال و مجازر ، لذلك من بين أعظم انتصارات ذلك العبور هو جعل القضية تعود إلى الواجهة و تصبح حديث الشارع البشري بمختلف الوانه و لغاته و ثقافاته ، ساهمت أيضا تلك الخطوة في كشف الانحرافات العميقة داخل الجيش الاسرائيلي الذي لسنوات طويلة راح يصدر الصورة الانسانية عن نفسه و بأنّه الاكثر سلميا مختصرا تسميته "بجيش الدفاع" ، ليتبين أن الدفاع هو دفاع عن الهجوم و ليس دفاع سلميا صفريا .
و أما بلغة الديموقراطيات فكانت لغزة كلمة الفصل بهزّ الصورة العالمية لاسرائيل تلك " الديموقراطية " الوحيدة الشرق أوسطية كما تدعّي ، ليكتشف مواطنوها أن الديموقراطية هي تقريبا ورقة تسويق لا أكثر ، فالشارع الاسرائيلي يغلي يوما بعد يوم ، و مستوى الحريات بات ضربا من الماضي.
اكتوبر أيضا كشف ضآلة الاقتصاد الاسرائيلي الذي طلب العون و المعونة منذ اللحظة الاولى ، كقافلة لا تنقطع من المساعدات لم تقوى اسرائيل على الاعتماد الحرفيّ الكامل على اقتصادها منذ السابع من اكتوبر دون طلب العون و الدعم العالمي ، لذلك فصورة "الكمال " المطلقة لتلك الدولة المغروسة في خاصرة الشرق أصبحت من الماضي اليوم.
أمّا مناهضو عملية السابع من اكتوبر فيرَون أنّها دمرت غزة عن بكرة أبيها و ابادت شعبها ابادة جماعية كحكم اعدام عام ، و هنا لا يجب أبدا أن ننكر الويلات التي نزلت على رؤوس اصحاب الأرض في القطاع ، لكننا نقع في معضلة شائكة ( هل وقعت حرب في التاريخ بلا خسائر؟ ) بيد أن حتى أولئك الذين يقفون ضد الحروب يرون بها "عدوان محقق" أو رد فعل اسرائيلي ، فيقولون نحن الذين ضربنا عش الدبابير فهل كنّا نتوقع منهم ضربنا بالعسل ؟.
هذا الاخذ و الرد بين من يدعم و من يعدم الفكرة ، هو صراع دائم موجود و قائم في كل البلدان سواء في روسيا و اوكرانيا اليوم أو في اليابان في الماضي ،،، لكن ما يهم اليوم هو النظر في آلية تخفّف من اعباء أهالي القطاع ، ففي الحقيقة باتوا يواجهون الحياة بصعوبات لا يمكن أبدا تصوّرها ، بعضهم قد يعبّر عن رفضه لنتائج ما فعلت حماس و لهم كلّ الحق في التعبير ، و بعضهم الآخر يرى أن النصر ينتزع بالتضحية ، لكن في عالم استهلكت فيه الصورة الانسانية و بات المنهج البريء هو عنوان المنظمات المختلفة ، نجد أننا أمام صورة " لعمى واسع " أصاب العالم ، فهل يصعب على تلك الدول "على أقل تقدير " جلب سفن سياحية كبيرة تفصل الاطفال و النساء جغرافيا عن القطاع ريثما ينتهى القتال؟ .
هي ليست دعوة للتهجير بقدر ما هو استهجان من تعامل عدمي مع الحرب ، و للأسف دول عديدة باتت تصاب بالساد عند الحديث عن الابادة ...
لذلك قد يقع الانسان في تناقض عند الحديث عن القضية الغزّية ، ليدعم العملية الاكتوبرية بمعزل عن نتائجها و لينتقل نحو رفض لها ما إن يتم تناول الاجتياح و المجازر التي حدثت...تناقض لم و لن يدفع ثمنه سوى أولئك الضحايا...