روى الدكتور معروف الدواليبي مستشار الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في مذكراته عن اللقاء الشهير بين الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود والزعيم الفرنسي شارل ديغول قبيل حرب1967 بثلاثة ايام .
قال ديغول : يتحدث النّاس أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر ، وإسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً ، ولا يقبل أحدٌ في العالم رفع هذا الأمر الواقع.
أجاب الملك فيصل : يا فخامة الرئيس ،أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر أحتل باريس، وأصبح احتلاله أمراً واقعاً ، وكل فرنسا استسلمت إلاّ أنت انسحبت مع الجيش الانجليزي ، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه ، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ، ولا شعبك رضخ ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع ، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي!!
ثم استأنف ديغول : يا جلالة الملك ، يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك !
أجاب الملك فيصل : فخامة الرئيس، أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك ، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس ، أما قرأت أن اليهود جاؤوا من مصر! غـزاة فاتحيـن، حرقوا المدن وقتلوا النساء والشيوخ والأطفال؟!
فكيف تقول إن فلسطين بلدهم ، وهي للكنعانيين العرب ، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة ، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط؟!
أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود ، ولا نصلحها لمصلحة روما؟! ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا ، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها.
قال ديغول: ولكنهم يقولون إن أباهم ولد فيها!!
أجاب الملك فيصل: غريب!! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس، وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاؤوا يطالبونك بحق الولادة في باريس!! فمسكينة باريس!! لا أدري لمن ســـتكون؟!
صمت ديجول، وضرب الجرس مستدعياً رئيس وزرائه جورج بومبيدو وكان جالساً مع الأمير سلطان ورشاد فرعون في الخارج ، وقال ديغول: الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السـلاح المصدر لإسرائيل... وكانت إسرائيل يومها تحارب بأسلحة فرنسية وليس أمريكية.
هذا الموقف للملك فيصل الذي تلاه بقطع النفط عن داعمي الكيان الصهيوني المحتل في حرب اكتوبر 1973 وعلى رأسهم أميركا.
ونحن بدأنا مقالنا بذكر بعض مواقف القاده العرب العظام الذي خلدهم التاريخ بسبب مواقفهم النبيله والإنسانية، نستحضر عظمة ديننا الإسلامي ، وقوة الإيمان ، وروح القومية العربيه ، وتاريخ المواقف الإنسانيه الاستثنائية المناصرة لقضية المسجد الأقصى والقدس ، والثوابت الدينيه والقيم الوطنيه ، ولكل قضية عادلة على هذه الأرض".
ونحن نعيش اليوم ونتابع بحرقه وألم شديد احداث معركة طوفان الاقصى ، وما آلت اليه الاوضاع المؤلمه حتى اليوم جراء الممارسات الصهيونيه العدائيه التي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من المفقودين الذين ما زالوا تحت الانقاض ، وغيرهم من المشردين والمهجرين خاصة في هذه الأوقات القاسيه في فصل الشتاء القارس ، فضلا عن الجوع والعطش وتفشي الأمراض المعدية ، وانعدام الخدمات الصحيه والطبيه الضروريه وغيرها ،
الأمر الذي ادى الى كشف القناع المزيف لهذا الكيان الصهيوني المغتصب المتغطرس وفضحه عبر وسائل الإعلام عن جرائمه الإنسانيه ومجازره اليوميه، والابادة الجماعيه المستمرة التي للأسف لم تحرك مشاعر ملايين البشر حول العالم طيلة أربعة أشهر من عمليات القتل الممنهجه والحرب الهمجيه الفاشية الوحشيه الصهيونيه المتغطرسه المتطرّفة .
وليس بغريب على عصابة الكيان الصهيوني المحتل استمرارها في طغيانها وجبروتها ووحشيتها ، لانه لو كانت هناك عدالة دوليه، ومواقف انسانيه دولية فضلا عن وجود عقوبة رادعة لهذا الكيان المحتل الوحشي بإلزامه وأمره بضرورة وقف الحرب لما استمر مسلسل تماديه في مجازره اليوميه بالقطاع.
كذلك جاء قرار محكمة العدل الدولية على الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا حول ارتكابه جرائم حرب في قطاع غزه لا يرقى إلى ما يطمح إليه شعب غزة، وهو وقف إطلاق القتال وإدخال المساعدات الإنسانية الضروريه وانسحاب قوات العدو المحتل .
قرار محكمة العدل الدولية لم يكن كافيا لوقف عمليات القتل الفاشية، الامر الذي أدى إلى استمرار العدو الصهيوني الامريكي الغربي لارتكاب مزيدا من الجرائم والمجازر الإنسانيه والسلوكيات الغير اخلاقيه التي لا تمت بالإنسانيه بتاتا ، وهذه الممارسات العدائيه اذا دلت على شىء فانها تدل على وحشية وعنصرية هذا الكيان الصهيوني وغطرسة وهيمنة وتجبر امريكا والغرب وشركائهم وعملائهم تجاه شعب أعزل يطالب بحقوقه المشروعه والمسلوبه والمغتصبه منذ اكثر من سبعة عقود وهي نيل حريته واستقلاله والعيش بسلام .
وها هو رئيس وزراء الكيان المغتصب يعلنها علانيه وأمام العالم بأن قرار محكمة العدل الدولية لم تلزمه بوقف القتال، وأنه سيواصل القضاء على قطاع غزة اي سيواصل مجازره البشريه وسط صمت دولي مخزي وقرارات امميه عاجزة عن تحريك أدنى نوعا من المناصره والدفاع عن أطفال ونساء وشيوخ فلسطين المحتله ووقف عمليات القتل الفاشية والتهجير والاضطهاد ، ووقف المجاعة .
إلى متى سيستمر هذا العدوان الصهيوامريكي الغاشم السافر الهمجي الوحشي المتجرد من القيم الإنسانيه والسلوكيات الاخلاقيه ، وعدم احترامه وامتثاله للقانون الدولي وتمرده على المنظومه الدولية؟؟..
رحمك الله الملك فيصل وجميع شهداء الأمة ومناصري قضايا الأمة.
وستبقى "فلسطين" قضيتنا الخالده وراسخه في قلوبنا وقلوب اجيالنا المقبله .