الدولة الفلسطينية: لماذا هي مرفوضة إسرائيلياً ؟!
د.أحمد بطاح
28-01-2024 12:33 AM
ما إنْ أعلن الرئيس الأمريكي «بايدن» أنّه بحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فكرة إقامة دولة فلسطينية حتى بادر هذا الأخير إلى الإعلان عن نيته الإبقاء على موضوع الأمن في قطاع غزة بيد إسرائيل بل وحتى كل المنطقة غربي نهر الأردن، وقد توالى على مساندته معظم الوزراء الإسرائيليين كوزير المالية، ووزير الأمن القومي، ووزير الطاقة، ووزير التربية وغيرهم، والواقع المرير هو أنّ معظم أفراد النخبة الإسرائيلية يرفضون فكرة إقامة دولة فلسطينية مثل «غانتس» الوزير في حكومة الحرب، و"لبيد» زعيم المعارضة الإسرائيلية، بل لعلّنا?لا نبالغ إذا قلنا بأنّ معظم الإسرائيليين ليسوا مع الفكرة، والسؤال المطروح هنا هو: لماذا هذا الرفض؟ إنّ هنالك أسباباً عديدة يجدر بالمواطن العربي أن يفهمها حتى يستطيع التعامل بوعي مع الطرف الآخر، ولعلّ أهم هذه الأسباب:
أولاً: اعتقاد الأغلبية من الإسرائيليين أن فلسطين هي «أرض إسرائيل»، وأنها «أرض الميعاد» التي وعدهم الرب بها لذا فلا حق لغيرهم فيها، ولعلّ من الواضح تماماً في العقدين الماضيين هيمنة اليمين على المشهد السياسي في إسرائيل حتى إنّ حركة «ميرتس» اليسارية التي تؤمن بالحقوق الفلسطينية لم تتجاوز ما يُسمى «بالعتبة» الانتخابية في الانتخابات الأخيرة أيّ 3% من أصوات الناخبين الإسرائيليين.
ثانياً: إيمان جمهرة الإسرائيليين بأنّ إقامة دولة فلسطينية هي خطر وجودي عليهم وبخاصة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ مساحة إسرائيل محدودة (21,000) كيلو متر مربع تقريباً، ويشكل الفلسطينيون حوالي 20% من السكان ويكاد يتساوى العرب واليهود في فلسطين التاريخية، كما أنّ الأراضي الإسرائيلية قريبة جداً بل تكاد تكون متداخلة مع أراضي الضفة الغربية حيث لا تبعد مدينة قلقيلية مثلاً عن ساحل البحر الأبيض المتوسط سوى (14) كيلو متراً فقط، وقد عبّر عن هذا الفهم الإسرائيلي رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق «نفتالي بينت» حين قال (كيف نسمح?بقيام دولة «إرهابية» على بُعد 10 دقائق منّا؟).
ثالثاً: الدعم الغربي اللامحدود التي تحظى به إسرائيل من الغرب وبالذات الولايات المتحدة، وقد تجلّى هذا أيّما تجلّي حينما تقاطر كل زعماء الدول الغربية المهمّة (واشنطن، لندن، باريس، برلين...) على زيارة إسرائيل بعد السابع من أكتوبر معلنين عن دعمهم ومساندتهم، وكانت إسرائيل قد حظيت بمثل هذا الدعم بعد بداية حرب السادس من أكتوبر 1973 حين استطاع الجيش المصري اختراق حاجز قناة السويس، وتدمير خط «بارليف» حيث بادرت الولايات المتحدة إلى مدّ إسرائيل بكل ما تحتاجه. لقد خلق الغرب إسرائيل كقاعدة عسكرية متقدمة له، ودأب على حم?يتها، وتغطيتها سياسياً في المحافل الدولية مهما كانت خياراتها التي تعتقد أنها لمصلحتها، وقد تبيّن هذا بوضوح حين ضربت إسرائيل عرض الحائط باتفاقيات «أوسلو» (التي كان يُفترض أن تتمخض عن دولة ولو محدودة السيادة)، وكثفت الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية (أكثر من 750,000 مستوطن)، وقد اكتفى الغرب إزاء هذا كله بإدانات لفظية، ومواقف شكلية لا تقدم ولا تؤخر، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأن حديث «بايدن» والزعماء الغربيين الآخرين الآن عن الدولة الفلسطينية ليست أكثر من «تسجيل مواقف» لأسباب انتخابية، أو لامتصاص غضبة?شعوب العالم على ما يرونه في غزة من «مجازر»، «وتطهير عرقي»، «وتهجير قسري»، «وإبادة جماعية» تمارسها إسرائيل بكل صَلف أمام أنظار العالم.
رابعاً: اختلال التوازن بين إسرائيل والفلسطينيين فالواقع هو -وبغض النظر عن الضربة القاسية التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر- أنّ إسرائيل تملك جيشاً قوياً (الجيش الثامن عشر على مستوى العالم حسب تصنيف غلوبال فاير باور Global firepower) فضلاً عن قوة نووية غير مُعلنة، بينما لا يمتلك الفلسطينيون بالمقابل أية قوة عسكرية تستطيع مواجهة الجيش الإسرائيلي. صحيح أن المقاومة الفلسطينية أبدتْ بسالة بطولية في معركة «طوفان الأقصى»، وصحيح أنها صمدت صموداً مشرّفاً في غزة أمام الهجوم الإسرائيلي المدمر لأكثر من ?10 أيام، ولكن تظل الحقيقة قائمة وهي أن هناك اختلالاً في موازين القوى يسمح لإسرائيل بأن تعتقد بأنها تستطيع بالقوة الغاشمة أن تفرض ما تريد، وأن تتنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على ترابه الوطني (دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية) حسب قرارات الأمم المتحدة.
خامساً: الانقسام الفلسطيني بين السلطة الوطنية الفلسطينية (التي تقودها «فتح") وتنادي بالحل السياسي، والمقاومة الفلسطينية (التي تقودها «حماس")، وتؤمن بالنضال المسلح لاسترداد الحقوق الفلسطينية. إنّ عدم وجود قيادة فلسطينية مُنتخبة ممثِّلة للفلسطينيين تعبّر عنهم، وتقود كفاحهم، وتعرض قضيتهم أمام العالم يُضعف الموقف الفلسطيني، ويُعزز الغطرسة الإسرائيلية، ويفاقم قدرتها على التنكر للحقوق المشروعة للفلسطينيين.
سادساً: ضعف الموقف العربي والذي عبّر عن نفسه بوضوح بعد السابع من أكتوبر، حيث لم تستطيع الدول العربية بكل ما لديها من أوراق (باستثناء الأردن الذي تميّز بمواقفه السياسية والإغاثية) أن تُجبر إسرائيل على وقف جرائم القتل التي تقوم بها في قطاع غزة، ولعلّ هذا الضعف العربي يُغري إسرائيل وبكل تأكيد بتبني مواقف أكثر تشدداً إزاء ما يمكن أن يكون حلاً معقولاً للقضية الفلسطينية وهو إقامة دولة فلسطينية حرة وذات سيادة وإلى جانب إسرائيل.
الرأي