تحضرني هنا مقولة لهنري كيسينجر السياسي والدبلوماسي الأمريكي العملاق الذي توفاه الله مؤخرا عن عمر يناهز مائة عام، حيث قال "لا يمكن للعرب القيام بحرب من دون مصر ولا أن يصنعوا السلام من دون سورية" (كتاب وراثة سورية، ص 33. فلاينت ليفريت). ورغم وجود معاهدة دفاع واقتصاد عربية مشتركة ترعاها الجامعة العربية منذ تاريخ 18/ يونيو/ 1950 الا أنها غير مفعلة. وتأسست الجامعة العربية بتاريخ 22/ أذار/ 1945. وما يثبت قولي هو حروب إسرائيل مع العرب منذ عام 1948، مرورا بحرب عام 1956، وحرب 1967، و1968، و1973 التي كان الحضور العربي العسكري فيها محدودا، ولا تعاون اقتصادي يمكن أن يوصف بالكبير. والحرب في غزة 2023/ 2024 والتي هي ليست الأولى من جانب إسرائيل، ورغم الاعتقاد السطحي بأن من بدأتها هي حماس – حركة التحرر العربية الإسلامية والأيدولوجيا في السابع من أكتوبر، أظهرت عدم جاهزية العرب للجم الهيجان الإسرائيلي ليس ضد الأشقاء الفلسطينيين ومقاومتهم فقط، وانما ضد حركات المقاومة العربية في لبنان ممثلة بحزب الله، وفي العراق حيث حزب الله العراقي، واليمن، حيث يتواجد الحوثيين – أهل الفزعة مع فلسطين.

وفي زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت العلاقات السورية – الإيرانية حاضرة، ويمكن وصفها بالمحافظة، وهي التي قدمت المصلحة السورية على الإيرانية في دمشق. وأسست سوريا علاقة استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي عام 1944، وتم بناء قاعدة "طرطوس" العسكرية عام 1863، وبنت روسيا الاتحادية المعاصرة قاعدة "حميميم" العسكرية جنوب اللاذقية عام 2015. وفي زمن حافظ الأسد وبالتعاون مع مصر والأردن والعراق، شنت سوريا حربان كبيرتان، الأولى عام 1967 تحت شعار للقوميين والزعيم جمال عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" وكان الهدف تحرير فلسطين التاريخية لعام 1948، ولم تتحقق الأمنيات العربية القومية، فخسرت سوريا الجولان، وخسرت مصر سيناء، وتم خسران كامل فلسطين وغزة حينها. وشنت سوريا ومصر والأردن والعراق حربا أخرى عام 1973 سميت بتشرين تمكن العرب فيها من تحرير مساحات كبيرة من مدينة القنيطرة الجولانية، وهي من الحروب العربية المنتصرة. وبعد معاهدة كامب ديفيد 1978، وتوقيع السلام المصري – الإسرائيلي عام 1979 عادت سيناء عربية.

وفي عام 2005 غادر أرئيل شارون غزة مهرولا. وبعد السلام المصري – الإسرائيلي عام 1979، وقع الأردن سلاما مماثلا عام 1994 لتحصين حدوده الجغرافية والمائية السيادية، ولخدمة الأشقاء الفلسطينيين. وبإصرار من جلالة الملك عبد الله الثاني تم تحرير إقليمي "الباقورة والغمر" عام 2019 من فكي معاهدة السلام، وهو نصر أردني مشهود يضاف لإنتصاراتنا في الكرامة وتشرين بجهد مباشر لقواتنا المسلحة الأردنية الباسلة/ الجيش العربي. وفي المقابل رفض حافظ الأسد سلاما مع إسرائيل اقترحه اسحق شامير عبر حسني مبارك من خلال إعادة الجولان بشروط إسرائيلية عنوانها فتح سفارات وعقود تجارية عام1995. وهو الأمر الذي تكرر في عهد الرئيس بشار الأسد لعقد سلام مع إسرائيل بواسطة تركية عام 2008 قادها الرئيس رجب طيب أوردوغان ورئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت بشروط إسرائيلية اعتبرتها دمشق خادشة لسيادتها، ورفضته.

ولقد ترسخت العلاقات السورية – الإيرانية في عهد الرئيس بشار الأسد منذ عام 2000، وتم نشر المليشيات الإيرانية في داخل سوريا، وانتشار في داخلها لحزب الله أيضا، وهو المعروف بتواجد معقله جنوب لبنان. والى جانب الحضور الروسي العسكري في سورية بقيت دمشق وريفها، وريف حمص تحت مرمى نيران إسرائيل لصيد الحضور الإيراني وتحركات حزب الله. وتنديد روسي وإيراني بالهجمات الإسرائيلية وتواصل إسرائيلي في القصف دون الالتفات للحماية والوصاية والتحالف السوري والروسي مع سوريا. وعلاقات لسوريا استراتيجية أيضا مع كوريا الشمالية. فإلى متى يبقى حال الضربات الإسرائيلية لسوريا؟ وهل تقبل أية عاصمة عربية بما تتعرض له العاصمة السورية؟ وكيف سيكون الحال عند تعرضها لما تتعرض له دمشق؟

منذ عام 2003 والعاصمة العربية دمشق تتعرض للقصف الإسرائيلي بهدف تطويق الحراك الإيراني وحراك حزب الله. وصعّدت إسرائيل من عملياتها العسكرية تزامنا مع اندلاع الربيع السوري عام 2011 وسط الربيع العربي، ودخول 80 فصيلا ارهابيا تقدمهم تنظيم الدولة الإرهابي "داعش"، ومع ظهور انشقاقات وسط المعارضة السورية الوطنية، واخراج سورية من الجامعة العربية. وبقي عنوان العدوان الإسرائيلي واحد، هو اجتثاث الحضور الإيراني وحضور حزب الله من سوريا، ومواصلة التحرش بسوريا رغم عودتها للجامعة العربية عام 2023.
ومثلما لم نسمع صوتا مبكرا للجامعة العربية تجاه محكمة العدل العليا الدولية التي تحركت صوبها جنوب أفريقيا وبمساندة أردنية، ودعم مشابه للجامعة العربية. وآخر من مجموعة دول غير عربية مثل (بوليفيا، ونامبيا، وباكستان، وماليزيا)، لم نسمع تحذيرا للجامعة العربية على مواصلة إسرائيل عدوانها السافر على أهلنا في فلسطين، في غزة والضفة الغربية، وعلى سوريا، وجنوب لبنان، ومثله أمريكي – بريطاني على الحوثيين في اليمن. وآن أوان أن تتغير صورة المشهد العربي من المواقف إلى الموقف الواحد. وصيحة ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه، مفجر ثورة العرب الكبرى لازالت ماثلة، وتدعوا العرب لوحدة حقيقية بعلم واحد، وجيش واحد، واقتصاد واحد، وعملة واحدة. وهو الأمر الذي يقود الدعوة أيضاً لأن تكون (القاهرة) عاصمة للعرب بحكم الديمغرافيا والوسطية بين الجزيرة والمنطقة السورية وشمال ووسط أفريقيا.

لسوريا وبكل تأكيد حسابات استراتيجية خاصة، بعد خروجها من دوامة حرب شعبية وغزوات ارهابية استمرت اثنا عشرة عاما، فهي غير جاهزة عسكريا ولا معنية بخوض حرب لا تريدها مع إسرائيل الآن. وهي محتاجة لإعادة هيكلة جيشها ليصبح أقوى، ولتصبح هي أقوى كذلك وجارة أمنة. والجولان – الهضبة العربية السورية ان لم تعد بالسيف تعد بغيره. وشعار القومية العربية للتحرير يصبح ممكنا بالوحدة العربية فقط. والأهم الآن هو ضبط سوريا الشقيقة للإختراق اللوجستي الذي تتعرض له ويشكل قنديلا للهجمات البربرية الإسرائيلية الواجب وضع حد حاسم لها، ولتجار المخدرات الغازين للحدود الأردنية من جهة الجنوب السوري، والأصل أن تبقى آمنه عبر التعاون المشترك رفيع المستوى بين دولتينا وشعبينا الشقيقين وسط المنطقة السورية ووسط العرب.