تعد حرية الرأي والتعبير (التي ينظمها الدستور الأردني) من أهم الحقوق المتعلقة بحياة الإنسان وكرامته وآدميته، وقد نصت عليها مختلف الدساتير، والتشريعات الداخلية، والمواثيق والعُهودٍ دولية، وحرمت الاعتداء عليها ومصادرتها وانتهاكها ليعيش الإنسان حراً آمناً في مجتمعه، والتي يمارسها الإنسان من خلال العديد من الوسائل والطرق التي نصت عليها هذه التشريعات، ومن أبرزها وسائل الصحافة والإعلام من صحف ومجلات وتلفزيونات وإذاعات، ومطبوعات، ومنشورات، وغيرها.
واليوم ومع انتشار المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الذكية، أصبحت حرية الرأي والتعبير أكبر، وأصبح تناقل المعلومات والبيانات والأخبار أسرع، كما نصت العديد من التشريعات سواء في الإطار الوطني أو الدولي على حرية الرأي والتعبير، ابتداءً من الدستور وليس انتهاء بالقوانين الداخلية والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها الدول، مما جعل العديد من الناس يظن أن له نشر ما يريد بكل ما يريد من وسائل.
والواقع أن حرية الرأي والتعبير مصونة ومكفولة، لكن - ومن وجهة نظر شخصية - فإن كثيرين قد استخدموا هذه الحرية بصورة لا إنسانية أو أخلاقية خصوصاً في الفترة الحالية التي يعيش فيها العالم مأساة إنسانية، وكأنهم يعيشون في عالم موازٍ لنا؛ بحيث لا يشعرون بما نشعر به، ولا يتألمون لما يألم له الناس في قطاع غزة المنكوب، ولا يشعرون بما يحدث من مجازر وقتل وحشي وإرهاب ضد أطفال ونساء ومدنيين عزل لم يكونوا يوماً طرفاً في أي نزاعات عسكرية مسلحة.
وهنا قد يقول قائل، هل نوقف حياتنا من أجل أبناء قطاع غزة؟، وهو ما لا أطلبه ولا يطلبه أحد لكن المطلوب فقط احترام المشاعر الإنسانية على أقل تقدير واحترام معاناتهم والتوقف عن نشر الصور والمناسبات المخجلة التي تشعرنا وكأننا منسلخين عن إنسانيتنا في ظل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يحدث في القطاع المنكوب، وفي ظل وجود أكثر من 25 ألف شهيد نصفهم أو أكثر من الأطفال، وربعهم أو أكثر من النساء، وبما يخالف أدنى قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام والاتفاقيات والمبادئ الإنسانية ومبادئ العدالة والإنصاف أو كل ما يمت للمنطق، والعقل بأية صلة.
المطلوب منا أن نتضامن مع الأشقاء بصورة إنسانية، بعيداً عن القانون وما يفرض من التزامات أو واجبات، فالقانون لن يعاقب على نشر احتفال أو مناسبة عائلية لكن احترام الثكالى من النساء، والأيتام من الأطفال والمكلومات من الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن يستحق منا أن نكون معهم ولو كان ذلك بمشاعرنا الإنسانية فقط؛ فواقعهم مرير وظروفهم صعبة جداً والقادم لا ينبئ بخير وهم يعلمون أن حياتهم تسير نحو الهاوية، ومن دون ذلك سنكون قد فقدنا إنسانيتنا تجاه معاناتهم الصعبة وحياتهم التي أصبحت اليوم خالية من أي مضمون، سوى مشاهد القتل والعنف والدمار!