يوبيلًا فضيًا عامرًا بإنجازات الأردن ب
د. زيد أبو زيد
24-01-2024 01:51 PM
يوبيلًا فضيًا عامرًا بإنجازات الأردن بقيادة سليل الدوحة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه.
في السابع من شباط ذكرى الجلوس الملكي يكون ربع قرن قد مرت على الأردن تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم اتسعت فيه مجالات العمل والإنجازات والإبداعات كما زادت التحديات، ولكن كربّان سفينة ماهر قاد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله المركب الوطني الأردني إلى بر الأمان رغم الأنواء، و سار بالوطن الغالي على درب المغفور له بإذن الله الملك الباني الحسين بن طلال طيب الله ثراه منذ ولادته ، فقد جعل من الأردن حاضرة الشرق ومركزه السياسي والحضاري، فعبدالله أحب الحسين والحسين أحبه وهكذا سار أيضًا على نفس النهج في حب ولي عهده المحبوب سمو الأمير الحسين ابن عبدالله فأحسن تأهيله للقيادة والريادة والإبداع والتفوق وهي سمة إل هاشم الأطهار .
لقد أحب الحسين الباني رحمه الله وطيب ثراه على عبدالله وانعكس ذلك منذ طفولته، ولذلك في شبابه سار الملك عبدالله الثاني على درب والده بحبه للوطن ودرته الجيش العربي المصطفوي، فالتحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية أسوةً بوالده جلالة المغفور له الملك الحسين الذي حرص على حضور تخرج نجله الأمير عبدالله آنذاك من هذه الكلية العريقة، والذي كان جلالة الملك عبدالله الثاني من أبرز خريجيها ، والتحق بالقوات المسلحة وكان ضابطًا فذًّا مبدعا كشأنه في كل مجال، وعند وفاة أغلى الرجال الحسين طيب الله ثراه كان ولي عهده ملكًا حكيماً في كل المجالات اقتصاديا وسياسيًّا واجتماعيًا، وكعادة والده وأجداده كانت فلسطين قضيته الأولى والقدس درتها، وفي العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة كان واضحًا أن عبدالله لا يقبل التنازلات عندما يتعلق الأمر بالأردن وفلسطين.
إن هذا اليوبيل الفضي بمرور ربع قرن من حكم سيدي صاحب الجلالة يأتي بعد أيام من احتفال الوطن بعيد ميلاد القائد ، فالاسرة الأردنية الواحدة تحتفل ككل عام بعيد ميلاد جلالة الملك احتفالها بالوطن العظيم ، ففي الثلاثين من كانون الثاني من كل عام تأتي هذه الذكرى السعيدة كي نستذكر انجازات الوطن ، وهذا العام نحتفل بالعيد الثاني والستين، لميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني؛ الابن الأكبر للمغفور له بإذن الله، جلالة الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه، وسمو الأميرة منى الحسين.
وتأتي ذكرى ميلاد قائد الوطن، في وقت يزداد فيه الأردن ازدهارا وتطورا وإنجازا ومنعة وصموداً، وقُدرة على تحويل التحديات إلى فرص واعدة في كل المجالات.
ويواصل الأردنيون مسيرة البناء والتقدم على خطى جلالة الملك، عاقدي العزم على أن يبقى الأردن أنموذجًا للإنجاز والعطاء والوحدة الوطنيّة والعيش المشترك، مؤكدين ثقتهم وإيمانهم بقيادتهم الهاشمية التي حقّقت الإنجازات من أجل رفعة الوطن وصون مُقدّراته.
استطاع جلالته بحكمته وحنكته الفذة وثاقب بصره واستشرافه للمستقبل أن يتجاوز بالأردن كل الصعاب والمعيقات والتحديات الاقتصادية, والسياسية, والاجتماعية وأن يعبر بالوطن العظيم والشعب العظيم إلى بر الأمان رغم كل ما يشهده العالم من صراعات عديدة، من حروب و قتل وتدمير وإرهاب وتشريد وحروب.
ونقول لك يا مولاي في عيد ميلادك الـ62 ، وفي يوبيلك الفضي نجدد البيعة والولاء والانتماء لعرشكم المفدى، ضارعين إلى الله العلي القدير أن يمد في عمر جلالتكم وولي عهدكم الأمين وأن يحفظكم ذخرًا وسندًا لأردننا الحبيب ولشعبه الأصيل، ونحن لا نراك يا مولاي الا واحدًا منا وكيف لا ونحن نشاهد تواضعك في وقفاتك للسلام على المواطنين وتفقد اوضاعهم وفي بيتك مع اصحاب السمو الملكي الأمراء وجلالة الملكة الحنون رانيا العبدالله المعظمة أسرة واحدة تحتضن كل الاردنيين تحت مظلتها وشجرتها وارفة الظلال.
من هنا أعود مجددا لأكتب لقد جسَّد الأردن في عهد عبد الله الثاني أنموذجًا سياسيًّا فريدًا في المنطقة العربية والعالم؛ بما تشكله تجربته في الحكم من مدرسة ترتبط فيها علاقة الشعب بقائده جلالة الملك برباط مقدس عمدته ثورة العرب الأحرار ومعه شعب الأردن العظيم، مع جده عبدالله الأول - طيب الله ثراه - قبل قرن من الزمان، وعززتها علاقات جده طلال طيب الله ثراه، وأبيه المغفور له الحسين الباني مع الشعب، ولذلك فليس غريبًا أنْ يستمرّ جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني في النهج ذاته؛ في رفض الإهمال والتقصير في العمل العام، وضرورة أن يتحمل الجميع مسؤولياته الوظيفية والأخلاقية تجاه الوطن والمواطن، واضعًا مصلحة المواطن وخدمته وسلامته على سُلّم الأولويات الوظيفية للعمل في القطاعين العام والخاص؛ ما يُظهر الاهتمام الكبير بأوضاع المواطنين وهمومهم وتطلعاتهم ومستقبلهم ومصالحهم، رافضًا أن يكون الفساد والإهمال ثقافة اجتماعية، ومطالبًا من الجميع الابتعاد بالمجتمع الأردني عن هذه الآفات التي لا تَمُتّ بأي صلة لثقافته وأخلاقه وموروثه العميق من قيم الرجولة والكرامة التي صنعها الآباء والأجداد ممن أسّسوا هذا الوطن.
وفي الموضوع الفلسطيني تبيّن أحاديث جلالة الملك ومواقفه الحاسمة استمرار الدعم المطلق للشعب الفلسطيني في قضيته؛ من أجل إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس التي تختص مقدساتها برعاية ووصاية هاشمية كريمة، ومن المؤكد أنّ الشعب يقف خلف جلالته في عدّ القدس والاقصى خطًّا أحمر لا يسمح جلالة الملك بتجاوزه وهذا ما بينته الحرب الصهيونية المجرمة على غزة والضفة الغربية والتي تصدى لها جلالة الملك شخصيًا بكل الوسائل واستطاع صياغة المفاهيم والصطلحات الدولية حول ما حدث في الأشهر الاخيرة من عام 2023 والأشهر الأولى من عام 2024 وبين للعالم انَّ معاناة الشعب الفسطيني عمرها ثمانية عقود ولم تبدأ في السابع من أكتوبر ليتجه العالم كله وجهة عبدالله في إدانة حرب الإبادة والتهجير والقتل والتدمير التي يمارسها العدو الاسرائيلي بحق الشعب الفسطيني، فكان الملك عبدالله بوصلة العالم في القضية الفلسطينية بعد الكذب الذي مارسته إسرائيل على العالم، فدور الأردن رائد في الدفاع عن شعب فلسطين وحقوقه، وثابت في عقل الدولة، وفلسفتها زرع الحقائق التي تؤكد عدالة القضية الفلسطينية لترسيخها في وجدان الاردنيين، والحديث عن حق العودة، والدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية ورعايتها في القدس الشريف، والدفاع عنها في شتى المراحل ولن يحيد عن ذلك أبدًا.
وفي موضوع الفقر والبطالة، فقد حملت كلمات جلالة الملك أكثر من مرة دعوة ملكيه للتخفيف عن المواطنين، والموازنة المدروسة بين مصالح الدولة ومصالح الأفراد، والدعوة أيضًا إلى تحمل كلّ شخص مسؤولياته، وعمل المؤسسات جميعها يدًا بيد بكل إخلاص؛ لخدمة الأردنّ والخروج به من هذه الأزمات التي فرضت على الأردنيين وشعوب العالم حولنا تحديات كبيرة في مختلف المجالات.
من هنا، وفي ظلّ الأزمات التي يعيشها أي وطن؛ فإنّ خطابات الشعبوية يجب أن تزول لتحلّ محلها الموضوعية والصدق والانتماء للوطن وقائده؛ حفاظًا على الوطن واستقراره، واعتزازًا بجيشنا العربي المصطفويّ وأجهزتنا الأمنية الساهرة على استقرار الوطن وأمنه والذود عن حماه، ونحن جميعًا خلف جلالة الملك؛ لأنّ الحالة تتطلب ضرورة توحيد الجهود وتكريسها للبناء، وحماية أرواح الأردنيين، والتصدي للتحديات كلها؛ ما يمكّن الأردن من دخول مئويّته الثانية بكل ثقة وقدرة على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية جميعها.
فبين مئويتين يسير الأردنّ شامخًا نحو إشراقة الفجر الجديد، مستلهمًا عظمة المجد من ملوك بني هاشم بدءًا من الملك عبدالله المؤسس الذي وضع حجر الأساس لبناء الدولة ومؤسساتها، ومعه ثلة من الوطنيين الأردنيين صاغوا مجد التأسيس على نهج الثورة العربية الكبرى التي انطلقت في فكرة بناء المشروع العربي جغرافيًّا وسياسيًّا، وكان لأحرار العرب وأهل الأردن الأفذاذ الدور الأبرز في بناء أساس الدولة الأردنية الصُّلب المنسجم مع فلسفة الثورة العربية الكبرى التي أطلق المغفور له - بإذن الله - الشريف الحسين بن علي رصاصتها الأولى.
وأُسِّست الدولة هي تشق طريقها في منطقة تتقلب تحت صفيح ساخن، وتعتنق أنظمتها السياسية أيديولوجيات ومواقف جديدة على المنظومة السياسية والاجتماعية لشعوبها، وكانت قضية فلسطين محورًا رئيسًا للصراع، وكانّ الملك المؤسس يبني الدولة، ويسهر على حماية مقدسات فلسطين بيديه قلبه وعقله، واستشهد الملك المؤسس عبدالله الأول على ثرى الاقصى ليخلُفه الملك طلال - طيب الله ثراه - واضع الدستور، لتستمر المسيرة حتى قيّض الله للشعب الحسين العظيم.
تسلّم الحكم الملك الباني الحسين بن طلال - طيب الله ثراه - الذي شهد الوطن في عهده مجدًا وعزًّا وسؤددًا وبناءً في المجالات كلها، ورحل تبكيه السماء مطرًا والعيون دمعًا سخيًّا بقدر ما أحبه شعبه وقدّره العالم، ليتسلّم الراية الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يشهد عهده تسريعًا في وتيرة البناء والتحول والإنجاز نحو التميز والابتكار؛ ليكون عهدًا عامرًا بالفخر والاعتزاز في مسيرة الدولة، ومراحل إنجاز على الرغم من شُحّ الموارد. لقد أسس الأردنيون دولة تشكل نموذجًا اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا فريدًا مع شُحّ الموارد، وعمق الصراعات الدَّوْلية والإقليمية وحتى المحلية، فتجاوزت عثرات كبيرة بوعي شعبها وحكمة قياداتها المتعاقبة، فكانت المئة الأولى من عمرها حافلة بنجاحاتٍ كبيرة وإنجازاتٍ شتى على الرغم من التحديات في أكثر من مجال، وما كان النجاح ليتحقق لولا التخطيط الواعي لتثبيت أركان الدولة الناشئة في إقليم مضطرب، ثمّ التجديد في عالم سريع التغير يتطلب الأخذ بمعايير الحداثة والأصالة معًا، لتكون البدايات أساسًا لمستقبل واعد بشعبه العظيم الذي يستحق الحياة.
لقد كانت الرؤية الثاقبة لملوك بني هاشم وخلفهم شعب الأردن العظيم دافعًا للعمل إلى دخول عتبة المئوية الثانية بأسسٍ راسخةٍ ومتينة تُعبّر عن روح الأردنيين وإرادتهم الصُّلبة المنتمية في بناء النموذج الأمثل سواءً من حيث التعليم ببناء المدارس والجامعات، أو الثقافة ودعم الإبداع في مجال الرواية والقصة والشعر، أو الاقتصاد ببناء المصانع ونهضة البناء في المشاريع العملاقة، مثل: مصفاة البترول، ومحطة الحسين الحرارية، والفوسفات، والبوتاس، وبروميد الأردن، أو في الصحة ببناء المراكز الصحية، والمستشفيات، والعيادات، وتكنولوجيا العلاج، ومركز الحسين للسرطان، أو في الإعلام بظهور الصحف، وتأسيس الإذاعة والتلفزيون، ثم الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، والنشر على مواقع التواصل مع دخول الثورة الرابعة إلى العالم، وتعزيز ذلك كله بالدستور، والقوانين، والأنظمة والتعليمات، انتقالًا بالوطن إلى دولة المؤسسات والقانون، على الرغم من تعقيدات المشهد في كثير من المحطات وصراعات كبيرة بدءًا من حرب 1948 ثم 1967، والصراعات على المستوى الإقليمي، وصراع مراكز الايديولوجيات العالمية، وحرب 1973 بعد حرب الاستنزاف، وحربي الخليج الأولى والثانية، وأزمات اللجوء، وكان موقف الأردن لافتًا للنظر في السياسة والعلاقات الإقليمية والدولية حيث كان متفرّدَا في حكمته وبعد نظره.
ومع ما سبق كله، فقد صمد الأردن أمام هذه التحديات المتنوعة، وكانت السواعد تبني الوطن وتحرس الحدود وتنشر الثقافة والمعرفة، وكان أبرز دعائم ذلك الصمود؛ القيادة الحكيمة، والإدارة المتعقلة، ووطنية الأردنيين واعتدالهم ووسطيتهم، والتطلع العروبي والإنساني للنظام والمجتمع، والابتعاد عن العنف والتطرف، تحت مِظلّة الجيش العربي المصطفوي والأجهزة الامنية التي رعاها ملوك بني هاشم، وهي الآن قرّة عين الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين عزز الله ملكه.
وفي فجر المئوية الثانية تستمرّ المسيرة، وتبدأ مرحلة التعزيز لما أُنجز، والتأسيس لما أغفلته العقود الماضية وتحديات فرضتها عمليات التسارع في مظاهر الحياة كلها، وخاصة في نمط الإنتاج وطرائق التعليم والعلاج والزراعة والصناعة مظاهر الحياة جميعها بشكل عام؛ لأن العالم تغير بسرعة كبيرة، وما كان كافيًا أو مقبولًا قبل عقود لم يعد كذلك اليوم، تسترشد فيه الدولة واقتصاديوها ومؤسساتها ومفكروها وحكوماتها بالأوراق النقاشية التي قدمها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وحدّد فيها الرؤية والاستراتيجية، ورسم المنهجية في الفكر المتجدد في المؤسسات، وتُعدّ خارطة طريق مستقبلي تحتاج إليه الدولة والمجتمع لتحدّد شكل الدولة القادم في المجالات كافة لتكون منظومة إصلاح التشريعات السياسية والاقتصادية والاجتماعيى نتاج توجيه الملك عبدالله وفكره وباشرافه وولي عهده المحبوب .
أحببتُ أن أكتب هنا عن الرؤية الملكية في الإصلاح السياسي ونهج تنفيذه، في ضوء ما كتبه جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية الرابعة حين قال: "ومن أهم متطلبات التحول الديمقراطي تعزيز المجتمع المدني ودوره في مراقبة الأداء السياسي وتطويره نحو الأفضل، عبر ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وهذا هو صلب هذه الورقة النقاشية الرابعة، إذ إنها تتزامن مع إطلاق جهد جديد من المؤمل أن يعزز من مساهمة مجتمعنا المدني في بناء نموذجنا الديمقراطي، من خلال الشروع في وضع اللبِنات الأساسية للثقافة الديمقراطية في مجتمعاتنا المحلية، ليكون التغيير الديمقراطي حقيقة ملموسة على جميع المستويات".
وكتب جلالته أيضًا: "إنّ تقدمنا على طريق إنجاز نموذجنا الديمقراطي سيتحدد بقدرتنا على عبور محطات محددة، تؤشر إلى تقدم ونضوج سياسي حقيقي وملموس، وليس مواعيد نهائية مسبقة أو عشوائية. وعلى امتداد طريق التنمية السياسية والتحول الديمقراطي الذي نسلكه، بما يتخلله من نجاحات وإخفاقات، سيكون التزامنا المشترك بالممارسات الديمقراطية الراسخة هو ضمانة النجاح في مواجهة مختلف المعيقات. ويشكّل مبدأ الالتزام والمشاركة جوهر "المواطنة الفاعلة"، التي تعرضتُ لها في أوراقي النقاشية السابقة، التي سأركز عليها في هذه الورقة، كشرط أساسي لتحقيق التحول الديمقراطي".
من هنا فان خطاب الإصلاح السياسي الذي يدعو جلالة الملك إلى صياغته في مشروع وطني ديمقراطي، وللمهتمين في التعمق في هذا الشأن، أن أورد ما يعبّر عنه مفهوم النظام الديمقراطي، وهو النظام الذي تكون فيه السلطة العليا للشعب، حيث يمارس الشعب سلطته عن طريق مواطنين يمثّلون الشعب، يجري اختيارهم عن طريق نظام انتخابي، إذ إنّ الديمقراطية تعني مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحرية، ويمتلك النظام الديمقراطي عديدًا من الإيجابيات أهمها: مصالح المواطنين، وعدم احتكار السلطة على فئة معينة من فئات المجتمع، وتعزيز المساواة بين المواطنين كافة، وجعل الإدارة أكثر مسؤولية واستقرارًا، والشعور بالالتزام تجاه المواطنين، بالإضافة إلى ضمان التعليم، وجعل المواطنين صالحين، وتعزيز تبادل الحكومات والمواقع في الدولة.
والتغيير الجذري للنظام السياسي مرتبط بالتخطيط الإستراتيجي الاستشرافي لشكل النظام السياسي، وكيفية الوصول إلى شكله المثالي عبر نضوجه المتدرج بحيث تكتمل فيه أركان النضوج الاجتماعي والاقتصادي مع السياسي ليصلح جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جميعها، وينتقل بها مرة واحدة نحو الهيكل الجديد الذي ينسجم والحرية الحقيقية، وتُشبَع فيه الحاجات وتتحقق الديمقراطية بأبهى صورها، فالأمر يتعلق بتغيير ثقافة المجتمع، وتغيير المفاهيم وشكل الأنشطة السياسية والاقتصادية فيه؛ لأنّ التغيير ليس عملًا مؤقتًا، بل صيرورة للحركة الشعبية في التاريخ، وهذا يتطلب من الجماهير الوعي واليقظة المستمرة، وعدم التغافل والتسليم بالمفاهيم الرجعية، والتسلح بفقه علمي يلغي المنهج التلفيقي والنماذج المشوهة المنقولة والمنسوخة التي لا تناسب واقعنا الثقافي والقيمي وأحيانًا قضايا الصراع.
من هنا، نحن نبحث عن نموذجنا الديمقراطي الأردني الخاص بعيدًا عن نماذجهم؛ إذ أثبتت الأزمات العالمية قبل ذلك بعقود عدم قدرة هذه الانظمة ان تكون حلًا نهائيًا لكل دول العالم ، و عدم قدرة الأنظمة الرأسمالية على الاستمرار اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا بشكل سلس، وأنّها لا بد من أن تتّبع وسائل تحايلية لتتمكن من الصمود المؤقت إلى حين التمكن من وضع إستراتيجيات جديدة، ولكن هذا يدعو العالم النامي إلى التنبه لخطورة ذلك على اقتصادها؛ ما يتطلب منا البحث عن إنموذجنا الأردني الخاص من أجل التغيير السلمي نحو الأفضل وهذا ما يتم حاليًا من تجديد في الخطاب السياسي و صدور التشريعات وبشكل متسارع للوصول الى الاحزاب البرامجية الحزبية قبل نهاية العام 2024 ، وتستكمل في مدى أقصاه عشر أعوام.
لذا، من الضروري تحديد السمة الرئيسة التي تميز فكر جلالة الملك، فقد كانت الأوراق النقاشية الملَكِيّة حالة متقدمة في الفكر السياسي الاستشرافي للمستقبل ومؤشرًا واضحًا إلى شكل البناء في نموذجنا النهضوي المتكامل الأركان، وأساسه التنافس والإبداع والتفوق في المجالات كلها، وعلى رأسها الديمقراطية المُنجَزة؛ لأنه لا يمكن دخول المستقبل إلى الدولة الحديثة بكفاءة وفاعلية واعتماد على الذات، وقدرة على التنافس في الفضاء الدَّوْلي، واستيفاء حقوق المواطنة وتحفيز الحكومات المتعاقبة على العمل بإخلاصٍ وإبداعٍ وإنجاز دون ديمقراطية حقيقية وتشريعات تنظّمها، وفي مقدمتها تداول الحكومات على قواعد البرامج الحزبية والكتل النيابية؛ وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر في قانون الانتخاب؛ ليكون عماده قوائم برامجية حزبية بنصف مقاعد مجلس النواب تتضمن المرأة والشباب وكوتات الشركس والشيشان والمسيحيين، وإعادة النظر في قانون الأحزاب السياسية، من حيث: أسس التأسيس النظرية، والأهداف وعدد المنتسبين، ونظام المساهمة المالية، والسماح بتقديم التبرعات للأحزاب من الشركات والمؤسسات والأفراد، والسماح بإعفاءات ضريبية للمتبرعين، وكذلك إعادة النظر في قواعد الديمقراطية وألياتها جميعها، بما يضمن منح حصانة حقيقية للمنتسبين في ضوء التزامهم بعملهم، وهو ما دعا جلالة الملك عبدالله الثاني الحكومة إلى إعادة النظر فيها بشكل عاجل ضمن مسار حددتْهُ سابقًا الأوراق النقاشية الملَكِيّة، ولذلك ستكون الديمقراطية ناجزة لأن الضامن هو جلالة الملك المفدى.
إنّنا نثمّن الدور الذي يؤديه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في دعم معالم طريق خارطة الإصلاح السياسي الأردني ورسمها، فقد كانت الأوراق النقاشية الملَكِيّة حالة متقدمة في الفكر السياسي الاستشرافي للمستقبل، ومؤشرًا واضحًا على شكل البناء في نموذجنا النهضوي المتكامل الأركان، وأساسه التنافس والإبداع والتفوق في المجالات كافة، وفي مقدمتها الديمقراطية المنجَزة؛ لأنه لا يمكن دخول المستقبل نحو الدولة الحديثة بكفاءة وفعالية واعتماد على الذات، وقدرة على التنافس في الفضاء الدولي، واستيفاء حقوق المواطنة وتحفيز الحكومات المتعاقبة على العمل بإخلاصٍ وإبداعٍ وإنجاز، دون ديمقراطية حقيقية وتشريعات تنظمها وعلى رأسها تداول الحكومات على قواعد البرامج الحزبية والكتل النيابية البرامجية الحزبية؛ وهذا تطلب بالضرورة إعادة النظر في قانون الانتخاب والأحزاب ونظام المساهمة المالية وقواعد الديمقراطية وآلياتها؛ وهو ما دعا جلالة الملك عبدالله الثاني تشكيل اللجنة الملكية السامية لتحديث المنظومة السياسية لتكون مخرجاتها أساس ما صدر من تشريعات وضمن مسار حددتْهُ سابقًا الأوراق النقاشية الملكية.
إنّ الاقتصاد الوطني الذي كان لمرحلة البناء والتأسيس الأثر الاكبر فيه وفي تشكيل مستقبل الدولة؛ إذ أُقيمت المشاريع للبنية التحتية في المجالات جميعها، وفي بناء الجيش والأجهزة الأمنية، وكان لا بد من سياسة اقتصادية جديدة، عمادها الاقتصاد التشاركي المعتمد على الإنتاج الوطني بديلًا عن القروض والمنح والمساعدات على أهمية تقديمها من المجتمع الدولي دون شروط؛ لسد فجوة الانفاق على اللجوء الانساني، وكذلك ضرورة التركيز على المشاريع الإنتاجية الجديدة في المحافظات بمشاركة الحكومة والقطاع الخاص.
والمطلوب في سياسات الإدارة وضع سياسة محددة في كل قطاع بالتشارك مع مكونات القطاع كلها، والاستفادة من الخبرات الدَّوْلية في هذا المجال للوصول إلى نتائج لها معايير رقْمية محددة، مع وضع حدّ للفساد الإداري والمالي؛ اعتمادًا على الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وخطط الوزارات والمؤسسات الاستراتيجية التي يجب أن تُفعَّل وتوضع موضع التنفيذ بعيدًا عن قوالبها النظرية الجامدة المحفوظة في الأدراج.
إنّ الأزمات العالمية تعطي فرصة للتفكير في إشباع الحاجات ضمن إطار إنساني عالمي تكاملي لتأمين الحاجات الأساسية للمواطن، وعلى رأسها دواؤه وغذاؤه ومياهه؛ ومن هنا فإنّ إستراتيجية وطنية على مستوى الدولة تركز على الطاقة المتجددة وتكنولوجيات المياه بأنواعها، والزراعة الحديثة والسلالات الملائمة، يجب العمل عليها حتى يحقق الأردنّ أمنه الغذائي وطاقته ودواءه ومصادر مياهه.
يتوقّع من المئوية الثانية وهي تتوج باليوبيل الفضي للجلوس الملكي أن تحمل كثيرًا من الإنجازات التي تضع الأردن في مصاف الدول الناهضة، خاصة أنّ لدينا الإمكانات البشرية من عقول ومهارات قادرة على تنفيذ أي إستراتيجية إذا أصبح القرار والعمل والتخطيط والتنفيذ شراكة بين الأطراف جميعا، وأصبح الإنجاز هو الهدف، ونحن نرى في حكمة جلالة الملك وفكره وإرادته الصُّلبة للتغير، ورؤيته الثاقبة للمستقبل، وخلفه شعب عظيم عامر بالخبرات، قادر على جعل المئوية الثانية مئوية النهوض والرفعة، حمى الله الوطن آمنًا مستقرا مزدهرًا تحت ظل قيادة الملك المفدى.
إنّ الأردن وقائده الفذ عبدالله الثاني ابن الحسين المعزز كان مستجيبًا دائمًا لداعي العقل وعبقرية القيادة، ليدرك ضرورة الاستفادة من كلّ ما لدى الآخرين من خبرات، فكان انطلاق القائد إلى العالم مسلحًا بعشق شعبٍ مَثَّل تنوعه وانصهار مكوناته دولة التسامح والعيش المشترك، ويصدق فيه قول الشّاعر اللبنانيّ سعيد عقل الذي يعدُّ من أشهر الشعراء المُعاصرين في لبنان حين قال:
أردُنُّ أرضَ العزمِ أغنيةَ الظُّبا نبتِ السُّيوفُ وحدُّ سيفِكّ ما نَبا
في حجمِ بعضِ الوردِ إلّا إنّهُ لكَ شوكةٌ ردَّت إلى الشَّرقِ الصِّبا
نعم، إنّه وطن بحجم الورد، وبحجم القلوب الصافية، وبحجم هيبة مليكه المحبوب عبدالله الثاني، وبحجم منعة جيشه وأجهزته الأمنية التي تخوض معركة الدفاع عن ثرى الوطن ،والدفاع والسهر على حماه ومحاربة الفساد والمخدرات بلا هوادة.
الأردن بحجم شعبه الوفي، ومليكه المفدى سيبقى جدولًا يتدفق في شرايين الحب على أعتاب المئوية الجديدة التي دخلنها بعزم وإرادة وصلابة وتصميم على النجاح وتجاوز التحديات والعقبات .
إنّ المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بقائدها جلالة الملك المعظم، وبرجالاتها من أهل الدراية والفكر والاقتصاد والسياسة يحطون رحالهم اليوم في العالم، ويحدوهم الأمل في التغيير والقوة وكرامة الإنسان.
وإنّني أرى التجربة الأردنية فريدة في توجهها وإنجازاتها وصبرها وثباتها وشجاعة قادتها على مر العقود، وهي تجربة جديرة بالاهتمام،
فجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم سليل الباني الحسين طيب الله ثراه، وحفيد طلال طيب الله ثراه، وجده المؤسس عبدالله الأول، يخوض تحديات بناء الوطن بعزم الملوك العظام، فترى فارسًا عربيًّا هاشميًّا قرشيًّا يتنقل بفخر وسؤدد بين مجد بيت النبوة وعظمته، وعزّ القبيلة، إلى موطن الحشد والرباط، فيمضي إلى المستقبل فاتحًا أبوابه لعصرٍ جديد تتعاون فيه الشعوب، وتتحقق فيه الرفاهية والأمن والازدهار لأبناء الشعب في واحة الحرية والديمقراطية المسؤولة التي تحفظ للبلاد والعباد أمنهم واستقرارهم ومعيشتهم، دون مساس بالحقوق القانونية والدستورية.
حفظ الله أردننا الغالي بقيادته الهاشمية، وجعل بلدنا آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم.
*أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح