برنامج التحول سبب رئيسي للعجز
سلامه الدرعاوي
14-03-2011 02:57 AM
لا يجوز لنا ان نواصل نقد السياسات الاقتصادية التي اتبعت في السنوات السابقة من دون ان نملك التقييم العلمي للنتائج التي تحققت سواء على صعيد الاقتصاد الكلي أو الجزئي, فالامر بحاجة الى تمحيص حقيقي لتلك البرامج.
السادة النواب وفي معرض ثورتهم الراهنة على كشف خبايا القضايا التي تثير الرأي العام لا زالوا يبتعدون عن النقطة الاكثر جدلا في السياسات الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية الا وهو برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي.
برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي كان قد انفق ما يقارب 356 مليون دينار على مشاريع ما زال الرأي الغالب حولها انها لم تكن ذات جدوى اقتصادية مباشرة على الاردنيين بقدر ما كانت معنية بتطوير وتهيئة بيئة الاعمال وتحسين مستوى الخدمات بشكل عام, وقد اعتمد تمويل البرنامج الذي اقرته حكومة م. علي ابو الراغب سنة 2003 على ما يأتي من مساعدات للمملكة, باستثناء مبلغ 40 مليون دينار جرى سحبها من عوائد التخاصية آنذاك, واذكر جيدا ان بعض الوزراء انتقدوا كثيرا آلية تمويل برنامج التحول على اعتبار انه اثر سلبا على مجمل المساعدات والمنح القادمة للمملكة فكان كل من وزير التخطيط والمالية يتسابقان عند المانحين للحصول على مساعدات لمشاريع وزارتيهما مع فارق ان الاول كان يسعى لمنح خاصة ببرنامج التحول في حين ان الثاني كان يتطلع لسد عجز الموازنة وتمويل المشاريع الرأسمالية الرسمية, وقد بدا الامر ان الاثنين كأنهما يعملان في حكومتين منفصلتين.
لعل النقد الابرز الذي وجه لبرامج التحول هو الانفاق الكبير الذي ادخله على الموازنة بعدما تم ادخال مشاريع البرنامج ضمن النفقات الرأسمالية للدولة, فقد ترتبت على ذلك نفقات تشغيلية تجاوزت اضعاف ما تم انفاقه اساسا, ولم تكن الخزينة قادرة على تمويل تلك النفقات سوى بمزيد من الاقتراض, لان النمو المتحقق بعد ذلك لم يتجاوز 6 بالمئة في حين النمو في النفقات كان يصل في بعض الاحيان 15 بالمئة, لذلك كان العجز يتنامى والمسؤولون في وزارة التخطيط في ذلك الوقت غير معنيين بتطوراته وكأن الامر لا يعنيهم, وهذا صحيح فمعظم من اشرف على تلك السياسات الانفاقية كانوا من انصار المثل القائل "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب", متناسين ابسط قواعد الاقتصاد التي تعلموها في الجامعات الغربية الراقية, لدرجة اننا نشعر ان ما كان يتم من تطورات وتفاقم للوضع المالي للخزينة التي باتت تحت رحمة المانحين كان يتم بقصد من هؤلاء المسؤولين.
المقصود بالتذكير ببرنامج التحول هو ليس نقد اشخاص والتنديد بهم, لكنه ضرورة كي نقيّم ما آلت اليه السياسات الاقتصادية التي بدأنا بقطف ثمارها "المرة" حاليا, ولا اجد اصدق مما خرج به مسحا العمالة والفقر مؤخرا, واللذان اكدا ان الامور لا تسير بالشكل المستهدف وان كل الاموال التي صرفت لمكافحة الفقر وخلق فرص عمل جديدة كانت نتائجها ضعيفة للغاية.
هناك تقييم لبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي جرى تنفيذه من احدى الشركات الاستشارية وما زال مخبأ في ادراج المسؤولين ولا يرغبون بالكشف عن مضمونه, على اعتبار انه قد يساء فهمه ويتحول الى مادة شهية لمنتقدي البرنامج والمسؤولين عنه, وفي اعتقادي انه من الضروري الاطلاع على ذلك التقييم واعلان ما جاء فيه من نتائج للرأي العام حتى لا تبقى انتقادات العملية التنموية على حالها من دون أسس, ومن يدري قد تكون النتائج غير ذلك اطلاقا, كل هذا يحدده اعلان تقييم البرنامج, والا فان مواصلة السكوت عنه يعني ببساطة ان البرنامج فشل فشلا ذريعا في العملية التنموية, وما يحدث اليوم من تنام في العجز هو احد افرازات ذلك الفشل.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)