الدم العربي المهدور .. !(2-2)
أ.د.فيصل الرفوع
14-03-2011 02:50 AM
إذا كان الباحث، أي باحث، في دهاليز التاريخ، وفي حالة غياب للضمير، قد يجد «مبرراً» لما فعله «هولاكو» في بغداد ذات يوم كربلائي سنة 1258، فإنه قطعاً لن يجد أي سبب مقنع لأنهار الدماء العربية التي تهدر على مدار الساعة منذ أن تخطى الجسد العربي المنهك حاجز الخوف أمام النظام العربي الرسمي على إمتداد الساحة العربية من المحيط للخليج، وعلى أيد، يقال عنها وبكل أسف وحسرة، بأنها عربية. كما إنه، أي الباحث، قد يعثر على «مسوغ» لأعمال الإرهاب والقتل وسفك الدماء التي تقوم بها الشعوب ضد بعضها البعض في حالات الصراع والحروب، لكن هذا الباحث، لا يستطيع أن يستوعب ما تقوم به بعض الأيدي، التي تصنف بأنها عربية، بقتل وتدمير وإزهاق للأرواح العربية في هذه المدينة او تلك من الأمصار العربية.
إلا أن الكارثة التي لم يشهد لها التارخ مثيلاً، هو أن يستعين بعض الحكام، ومن أجل الإستمرار في السلطة والتسلط، بمرتزقة، تنصلوا من كل القيم الإنسانية والعقائد السماوية، وامتشقوا سلاح الحقد والإنتقام، وبدراهم معدودة، ليمتهنوا قتل شعبه والتنكيل به، وإغتصاب حرائر العرب والمسلمين، اللواتي كان يخاطبهن بـــــ» أخواتي وبناتي..!!!».
تساءل الشعب الإنجليزي ذات يوم كانوني من أيام عام 1258 عن نهاية قهره وإستعباده على يد ظلمات القرون الوسطى وتحالف رأس المال والإقطاع مع الكنيسة والسلطة. و«انتفض». وقدم التضحيات في سبيل حريته وفك قيود إستغلاله وظلمه، وكان له ما أراد، فقد جاء « الماغنكارتا» ليؤسس لأقدم ديمقراطية في عالمنا المعاصر، حيث كانت جمهورية «افلاطون» ومدينته الفاضله هي الموئل الذي إستقى منه الإنجليز ديمقراطيتهم.
وإذا كان الغرب، وباقي شعوب العالم، قد تساءلوا مبكراً عن حقهم الطبيعي في الحياة والحرية، وإستطاعوا تحطيم قيد الإستعباد والتبعية، ولم يجرؤ العرب على التفكير بكسر أغلال الخوف وتخطي حاجزه إلا بعد أزمان تلت، إلا أن ما نراه اليوم من صدور عربية عارية تواجه الرصاص الحي وشتى صنوف التنكيل والقهر، وبتصميم منقطع النظير على النصر وإستعادة الحقوق، يمثل حالة إستثنائية في مقاومة الظلم والقهر و» التهميش»، ومثالاً لعظمة الهمة العربية إذا ما حوصرت في بوتقة الإهمال والدونية والإستباحة.
لقد أعاد الإنسان العربي، أمجاد امته، منذ صرخة ذلك الأعرابي ناقداً عمر الفاروق رضي الله عنه، حينما أجابه عمر.. «لا خير فيكم إن لم تقولوها.. ولا خير فينا إن لم نسمعها..». وجعلنا هذا الشاب العربي، الذي لم نكن نحسب له حساباً قبل أيام « سيدي بو زيد» و«ميدان التحرير»، نعيش تلك اللحظات، التي تمتزج فيها معاني الكرامة السامية وتحدي الظلم مع التضحية والجهاد والإيمان بالله جلت قدرته، والتي رافقت محاكمة ذلك الصحابي الجليل، الثائر والإصلاحي، سعيد بن جبير رحمه الله، حينما وقف متحدياً الموت في سبيل المبدأ، أمام القائد الحجاج بن يوسف الثقفي رحمه الله.
معشر العرب،إرفقوا بالأطفال والنساء والشيوخ، و«أذخروا» دماء شبابكم ليوم سيكونون سنداً لأوطانكم التي طالما تحدثتم عن إنجازاتكم في بنائها، وتذكروا موقف نبيكم العربي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم حينما إستأذنه جبريل عليه السلام أن يطبق «الأخشبين» على أهل الطائف، بعد إيذائهم للنبي صلعم، إلا انه رفض الفكرة ودعا لهم لا عليهم، حيث قال مخاطباً الوحي « عسى أن يخرج الله من بينهم من يوحد الله» او كما قال صلعم.
معشر العرب.. اوقفوا هدر الدم العربي، وحاوروا شعوبكم بالتي هي أحسن، وتذكروا زهد الحسن بن علي رضي الله عنه، سبط رسول الله بالخلافة والرئاسة. ولا تمنحوا الفرصة لأعدائكم، صهاينتهم وصفوييهم وفرنجتهم، أن يبتسموا من خلال دموعكم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
alrfouh@hotmail.com
(الرأي)