نحو حالة وطنية ترتقي إلى مستوى التحديات والاخطار
د.زهير أبو فارس
22-01-2024 10:12 PM
لا شك أن ما يجري من عدوان اسرائيلي على غزة ومجمل الاراضي الفلسطينية المحتلة ، يؤشر إلى أن هناك تغييرات جذرية واستراتيجية قد حصلت في الاقليم ، وفي علاقات دوله ، منفردة ، وعلى المستوى الجماعي ، وحتى المشاريع المطروحة في المنطقة ، وبينها وبين دولة الاحتلال الاسرائيلي. ويبدو ان الأمور تسير باتجاه اللاعودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل السابع من أكتوبر، وحتى الساعة. واذا ما انتقلنا من التعميم إلى ما يواجهه بلدنا من تحديات قادمة، وذات ارتباط مباشر بما يجري في فلسطين والمنطقة ، يمكن طرح الملاحظات التالية:
اولا: في العلاقة الاردنية-الاسرائيلية-
لا أحد يستطيع أن يجادل في أن هذه العلاقة، وبالرغم من كل المعاهدات والاتفاقيات المبرمة ، لن تعود كما كانت ، وبخاصة بعد المواقف الاسرائيلية المقرونة بالممارسات على الأرض ، فيما يتعلق بمفهوم حل الدولتين ، وانكشاف مخططات اليمين الصهيوني القومي التوراتي، الذي يمارس نهج الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، من خلال سياسات التهجير، بكافة أشكاله، والتي تلقى تاييدا واسعا لدى الاحزاب والمجتمع الاسرائيلي ككل.
ثانيا : لقد انسحبت هذه السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين على العلاقات مع الأردن، والتي شملت كافة مؤسسات دولة الاحتلال السياسية والعسكرية والأمنية، وصولا إلى الدولة العميقة، التي اصبحت أسيرة لهذا النهج اليميني العدواني التوسعي ، والذي لا يعير اي اهتمام او التزام بالمعاهدات والاتفاقيات، وهو جاهز لخرقها والدوس عليها ، في سبيل تحقيق أهدافه التوسعية الاحلالية، دون الاكتراث بمصالح الآخرين. وما نراه من مواقف عدائية تجاه الأردن وقيادته، دليل واضح على ما نزعم.
ثالثا: وهذا يعني ان بلادنا أمام واقع جيو-استراتيجي جديد آخذ في التبلور، لا بد أن نعد العدة لمواجهته ، بما يحافظ على مصالحنا الوطنية العليا. وخلاف ذلك، سنكون
مضطرين لإدارة أزمات، ومواجهة تحديات تفرض علينا ، ونضطر للتكيف مع تداعياتها. ويعتقد كاتب هذه السطور أن جدلية التهجير من عدمه ، والتي لطالما نوقشت باسهاب في أوساطنا السياسية والاجتماعية
(والتي اعتبرت من بعض نخبنا غير واقعية وبعيدة عن التطبيق بسبب المعاهدات إياها ) ، قد حسمت مع ما نراه من هيمنة جارفة لليمين الاسرائيلي العنصري المتطرف ، في فرض السيادة الإسرائيلية المطلقة على الأرض الفلسطينية بين البحر والنهر، والذي تعلن رموزه الحاكمة نواياها العدوانية بصراحة ، ودونما مواربة.
رابعا: كما أن ما يشجع اليمين الاسرائيلي على المضي قدما في هذا النهج التوسعي الاحلالي، هو التأييد الكبير من قبل الولايات المتحدة ودول الغرب للسردية الإسرائيلية، بخصوص ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، "وحقها المزعوم في الدفاع عن النفس"، والذي منحها، ما يشبه ال " كارت بلانش " لما تقوم به من مجازر وإبادة جماعية وتطهير عرقي، لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها، والتي لاتزال -على همجيتها- غير كافية لتحريك العالم المحضر، وهيئاته ومنظماته الدولية، وفي مقدمتها، مجلس الأمن، لوقف هذا العدوان الغاشم.
خامسا: ان المواقف المشرفة للأردن، قيادة وشعبا ، تجاه هذا العدوان البشع، وبخاصة التحركات الإقليمية والدولية التي تولاها جلالة الملك شخصيا، وكذا من خلال التوجيهات والمتابعة المباشرة للدبلوماسية ، التي احدثت تغييرات هامة في المواقف والسياسات الدولية ، ومزاج الراي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية..كل ذلك اغضب دولة الاحتلال ورموزها الحاكمة ، التي نفثت سموم حقدها وتهديداتها تجاه بلدنا ، دولة ومصالح.
وأخيرا، وانطلاقا مما تقدم ،فإن الواقع والتحديات الجديدة التي فرضتها الأحداث القائمة في فلسطين والمنطقة ،يتطلب إيجاد استراتيجيات وطنية تتناسب والمتغيرات
الاستراتيجية المستجدة في المنطقة، والتي تتمحور حول صياغة حالة وطنية ترتقي إلى مستوى التحديات والاخطار، من خلال جبهة حوار وطني واسع ، تشارك فيه كافة القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، تكون مهمتها تحديد أولويات المرحلة القادمة،وتحمل المسؤوليات تجاهها ، والوقوف صفا واحدا ، وسندا راسخا ، وداعما قويا للسياسات والمواقف النبيلة المشرفة لبلدنا ، التي يقودها جلالة الملك بكل شجاعة واقتدار.
هذا هو الرد الحاسم الذي يعطي القوة والمنعة لبلدنا ، والسند لقواتنا المسلحة الباسلة. ويمثل الرسالة الأقوى للعدو، ان هذا الحمى العربي ، بقيادته الهاشمية الأصيلة، سيبقى الصخرة الصلبة التي ستتحطم عليها كافة مؤامراتكم واطماعكم العدوانية التوسعية. وسيبقى ، كما كان دائما، الأقرب إلى فلسطين وأهلها، والقدس ، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
*عضو مجلس الاعيان