10 لترات من الكاز .. ذكرتني بحادثة فساد
محمود الدباس - ابو الليث
22-01-2024 10:06 AM
استعدادا للمنخفض الجوي القادم.. ولان راتبي التقاعدي لم "ينزل" بعد.. فقد اختصرت شراء الكاز على 10 لترات تكفي لهذا المنخفض..
وبينما كنت اجهز صوبة الكاز واضع فيها "الكازات" تذكرت احاديث والدي -عليه رحمة الله- الشتوية ونحن متحولقون حول صوبة علاء الدين..
حيث قال في احدى سواليفه.. ان احد اعضاء مجلس ادارة بلاد الواق واق.. وهو ما يشبه منصب الوزير ومجلس الوزراء في زماننا هذا.. كان متنفذا وقويا الى حد الصلف.. فطالب بزيادة غير نظامية لاحد اقربائه تجاوزت المألوف.. الامر الذي استدعى استصدار قرارا استثنائيا من مجلسه لذلك.. واخذ صفة السري للغاية حتى لا يطلع عليه احد.. وذلك لان الانظمة المعمول بها في ذلك الزمان لا تسمح بهكذا زيادة بشكل طبيعي ونظامي..
فعلم بذلك مجموعة من مخاتير بلاد الواق واق.. والذين كان يجمعهم مجلس للمخاتير يتداولون ويناقشون فيه امر البلاد.. وهذا المجلس كما علمت من والدي انه يشبه مجالس الشورى او الشعب او النواب في زماننا هذا..
فقرر هؤلاء المخاتير ان يفتحوا ذلك الامر في الاجتماع الذي كان يعقد في نهاية العام لمناقشة اعمال ومتطلبات لجان ومؤسسات وشرطة (الفرسان) الواق واق.. ما تم منها في العام الماضي وما سيتم في العام القادم.. وهي ما تشبه اعمال اللجان المالية في مجالس الشورى او النواب في مناقشة موازنة المؤسسات والدولة..
وفي اليوم المنشود.. وبينما هم يستعدون لكشف الامر.. وعلى غير العادة.. استغرب أولئك المخاتير من ان رئيس المخاتير شخصيا هو من ترأس تلك الجلسة.. لان تلك المناقشة لم تكن بتلك الاهمية لان يحضر رئيس المخاتير ويترأس الجلسة.. فهي ليست مناقشات للشرطة (الفرسان) مثلا.. فعلموا ان امرا ما سيحدث..
وبالفعل حدث ما كانوا يتوقعون.. فبعد ان قدم رئيس اللجنة التي هي مثار الجدل ما تم عمله في العام الماضي.. وعرض متطلباته المالية ليتمكن من ادارة لجنته للسنة القادمة.. وقبل ان يبدأ بمناقشته اي مختار.. قام رئيس المخاتير ومن خلال صلاحياته بوقف النقاش.. واعتماد ما جاء من المتطلبات كما هي..
وبالتالي لم يستطع اي مختار من سؤال رئيس تلك اللجنة عن اي امر.. وخصوصا مسببات رفع راتب قريب ذلك المسؤول او الوزير.. وهل هو يستحق تلك الزيادة الكبيرة.. وما هي الاعمال الخارقة التي قام بها لكي يحصل على ما حصل عليه..
هنا استغرب كم كان الفاسدون في دولة الواق واق متمكنين.. وكم كانوا متماسكين.. وكم كانوا يرتبون امور فسادهم بشكل محكم.. حتى بتسخير من يراقب على اعمالهم ليس فقط لكي يغطي على فسادهم.. وانما حتى بلجم افواه المخاتير الذين يمتلكون مجرد الجرأة في السؤال.. وليس ايقاف فسادهم..
فتجد ان الفاسدين لا يسمحون حتى لاحد من ان يفكر مجرد التفكير في التعبير عن انهم يعلمون باعمال الفساد.. ويُسَخِرون كل اركان ومفاصل الدولة للتغطية على فسادهم..
فمذا كانت النتيجة؟!..
كانت دمار وزوال بلاد الواق واق.. واصبح يتم ذكرها في القصص للتندر على الافعال التي لا يمكن ان يتصورها احد من بني البشر..
وهنا لا بد وان اقولها بالفم المليان.. الحمد لله اننا لم نعش في بلاد الواق واق.. لكنا متنا قهرا من هكذا افعال..
والحمد لله اننا نعيش في الاردن بلد المؤسسات والمؤسسية في القرار..
وان لدينا مؤسسات تشريعية ورقابية ذات سلطة قوية.. ولا تخضع لاي ضغوطات ولا تأبه بكشف اي فساد -صغر او كبر- لأي مسؤول -كبر منصبه او صغر-.. وان مؤسساتنا الرقابية تعمل بحيادية تامة.. دون توجيه من احد.. ولها من الحصانة ما يمكنها من قول الحق في اي شبهة فساد.. فما بالنا بالفساد البائن بينونة كبرى!!
فكم سمعنا وراينا مسؤولين كانت لهم المكانة التي لا يستطيع احد لا اقول الاقتراب منها.. بل وحتى الاشارة عليهم.. تمت محاسبتهم وزجهم في سجون العدالة التي نثق كل الثقة فيها.. وتم اخذ حق الوطن منهم بالصاع الوافي..
فالاردن -والحمد لله- عصي على اي شلة فساد.. ولا بد وان يأتي اليوم لمحاسبة اي فاسد تُسَوِل له نفسه استغلال منصبه او صلاحياته لمنافع شخصية.. او للتغطية على اي فاسد..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وارضا..