لطالما كانت الحرب الاعلامية في كثير من الاحيان أكثر أهمية وأشد ضراوة من الحرب العسكرية وهذا لعدة أسباب منها: أن الحرب الاعلامية تتقدم غالبا شنّ الحروب العسكرية بل هي من يبررها، وأحيانا كثيرة يقرع الاعلام طبول الحرب العسكرية، وعن طريق الاعلام تبرّر الدول مواقفها من الحرب، وعن طريق الاعلام تمهّد الدول لتغيير مواقفها السياسية بين حين وآخر..كما سيلعب الاعلام دورا مهما في تبرير قرار وقف الحرب حين يتخذ القرار..الخ.
خير مثال «عملي» على شواهد ودروس الحرب الاعلامية ما يجري حتى اليوم الـ«106» من الحرب على غزة:
- فلتبرير المخططات الاسرائيلية بارتكاب جرائم «حرب الابادة» ضد الاهل في غزة تمّ وصف ما جرى في7 اكتوبر/ تشرين الاول 2023 على أنه»هولوكوست جديد» ضد اسرائيل، وتم تشبيه ما حدث بهجمات11سبتمبر2001، وأن المقاومة قتلت الاطفال وقطعت رؤوسهم واغتصبت النساء، وكل ذلك أبرزته وسائل الاعلام الاسرائيلية وتبنّته فورا وسائل الاعلام الامريكية وعلى لسان الرئيس وكبار المسؤولين وكذلك فعلت وسائل الاعلام الغربية..وهذه «الماكينة الاعلامية الممنهجة» بررت اعلان اسرائيل للحرب وحقها في «الدفاع عن النفس»، وبرّرت دعما امريكيا وغربيا مطلقا لاسرائيل، واستخدم كل ذلك كوسيلة ضغط على دول العالم كي تشجب وتستنكر ما فعلته المقاومة في 7 أكتوبر.
- الفشل الذريع في تحقيق اسرائيل للاهداف التي أعلنتها في حربها على غزة من القضاء على حماس وتحرير الرهائن بالقوة العسكرية، وللتغطية على حجم الخسائر في جيشها وآلياتها، عمدت اسرائيل الى استخدام الاعلام للتغطية ولتبرير ما ترتكبه من جرائم ضد المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والجامعات بحجة استخدام المقاومة لتلك الاماكن كمواقع عسكرية ومراكز للقيادة واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وكل ذلك لتبرير استهداف المدنيين من أطفال ونساء بحجة الدفاع عن النفس واستخدام المقاومة لهم كدروع بشرية.
- اسرائيل استخدمت الاعلام المضلّل -ولا زالت- في كل خطوة تخطوها منذ بداية 7 اكتوبر مرورا ببدء حربها البرّية ثم تبادل السجناء والرهائن من قبل الطرفين وحتى اليوم، وقد فشلت فشلا ذريعا في اعلامها الداخلي والخارجي وهذا مردّه لعدة أسباب منها:
أنّ واقع الميدان يكذّب جميع رواياتها - لم تحقق نصرا في أي من أهدافها ولذلك ليس لاعلامها ما يقدّمه - واقع الحال من ضغوطات داخلية من أسبابها انقسامات مجلس الحرب وملف الرهائن ومشكلة «النازحين الاسرائيليين» الذين يزيد عددهم على 300 الف من غلاف غزّة أو من مستوطنات الشمال و«المهاجرين عكسيا» الذين يزيد عددهم على 500 ألف «اسرائيلي أوروبي» غادروا بعد 7 اكتوبر، اضافة لشلل الاقتصاد الاسرائيلي..الخ كل هذه «مصائب» يصعب على أية ماكينة اعلامية أن تبررها أو تحسّن صورتها..وفي المقابل اعلام للمقاومة واضح وشفاف وصادق وموثّق بات يصدقه الاسرائيليون أكثر من اعلامهم المضلّل.
-كثير من الدراسات باتت تفضح أيضا انحياز وسائل اعلام كبرى للسردية الاسرائيلية لأن تلك الوسائل مسيطر عليها غالبا من الصهيونية العالمية وتلك الوسائل كشفت الحرب على غزة انحيازها وعدم مصداقيتها، ومن آخر تلك الدراسات التحليلية والتي شملت التغطية الاعلامية لأبرز الصحف الأمريكية مثل صحيفة «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و «لوس أنجلوس تايمز» كونها تلعب دورا مؤثرا في تشكيل وجهات النظر الأمريكية حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وقد جاءت أبرز نتائج الدراسة التحليلية على النحو التالي:
1 -لم تهتم تلك الصحف كثيرا في تغطيتها بتسليط الضوء على الحصار والقصف الاسرائيلي بحق الاطفال والصحفيين في قطاع غزة.
2 -كشفت الاحصائيات النقاب عن ما وصفته بـ«الانحياز الصارخ» في طريقة تغطية الحرب مع التركيز على افساح المجال امام الشخصيات المؤيدة لاسرائيل، ومقابل تحجيم الاصوات الفلسطينية والمؤيدة لهم.
3 -استخدام الصحف مصطلحات عاطفية لوصف قتل المدنيين مثل «المذبحة/ بنسبة 60 الى1» و«المروعة / بنسبة 36 الى 4» و«مذبحة /بنسبة 125 الى 2» حين يتعلق الامر باسرائيليين وليس العكس.
4 -تجاهل تلك الصحف في عناوينها كلمة أطفال، رغم أنّ هذه الحرب الأكثر دموية في التاريخ الحديث ضد الاطفال.
5 -الصحف الامريكية تشير بتغطيتها للقتلى من الشباب الاسرائيليين على أنهم أطفال، في حين تشير إلى الاطفال الفلسطينيين على أنهم أشخاص تقلّ أعمارهم عن 18 عاما دون ذكر كلمة «أطفال».
6-تمّ التركيز في تلك الصحف على كلمة «معاداة السامية» أكثر من «كراهية الاسلام» بنسبة (549 مقابل 79 مرة).
*خلاصة الدراسة تؤكد انحياز الاعلام الامريكي وأنّ التغطية «غير متكافئة» وأن الصحف الكبرى والاخبار التلفزيونية السائدة في الولايات المتحدة توجه المشاهدين نحو رؤية مشوهة للصراع.
- ونحن في الختام نسأل أنفسنا كأمة عربية:هل نملك أسلحة اعلامية قادرة على: (الدفاع عن قضايانا-ايصال رسائلنا الى العالم -مواجهة أكاذيب العدو)؟..الاجابة عن هذه الأسئلة ضرورة أكدتها وكشفتها بقوة «الحرب على غزة».
الدستور