الأرض ليست بخير والأسوأ قادم
خالد دلال
19-01-2024 11:11 PM
يرى الكثيرون في الحروب والمعاناة القاسية التي تجرها على البشرية، أو الأزمات الاقتصادية وتداعياتها الخانقة على الدول، أو حتى في الجوائح وما تسببه من رعب للشعوب، مصيبة المصائب، إلا أن كل ما تقدم لا يذكر مقارنة مع الكارثة التي تلوح في الأفق، ولا يدركها الكثير منا، وهي ما بات يعرف بـ"الانهيار المناخي" في مختلف عموم المعمورة، وهو المصطلح الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن لم تتحرك البشرية لإنقاذ نفسها قبل فوات الأوان.
خلاصة الأمر تكمن في أن الأرض سجلت في العام 2023 أكثر الأعوام سخونة في تاريخها الحديث، وذلك وفق مرصد كوبرنيكوس الأوروبي، الذي أفاد "بأن الأشهر الثلاثة من بداية حزيران/يونيو إلى نهاية آب/أغسطس 2023 كانت الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، حيث بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 16.77 درجة مئوية".
هذا في العام الماضي، أما العام الحالي، 2024، فالعديد من العلماء يتنبأون أن تتجاوز حرارة الأرض ما سجلته في 2023، وهو ما سيؤجج أكثر وأكثر الكوارث الطبيعية من موجات حر قياسية، وأعاصير مدمرة، وحرائق غابات فتاكة، وفيضانات قاتلة، وحالات جفاف حادة في مختلف أنحاء الأرض، وهو الأمر الذي تناولته العديد من الصحف العالمية، ومنها الواشنطن بوست الأميركية والغارديان البريطانية مؤخرا.
الأمر قد بدأ فعلا. فها هي بريطانيا تشهد واحدة من أسوأ موجات البرد في تاريخها. وها هي أستراليا تكافح حرائق الغابات التي بدأت تخرج عن السيطرة. وها هي البرازيل تواجه فيضانات عنيفة. وها هي جزيرة موريشيوس في مهب الأعاصير. وها هي الولايات المتحدة يضربها ما بات يعرف بـ"الشتاء الجليدي". القائمة تطول، وما على المرء إلا أن يقلب الأخبار، وسيرى الكثير من كوارث التغير المناخي هنا وهناك تعصف ببني البشر. والقادم أعظم، خصوصا مع تسجيل مستويات خطيرة لذوبان الجليد في قطبي الأرض، شمالا وجنوبا.
كل هذا يمكن تلخيصه في جملة واحدة: وهي أن الطبيعة بدأت تثور في وجه جزارها الإنسان بفعل طمعه، الذي لا حدود له، في حرق المزيد والمزيد من الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة، وفي تزايد نشاطاته الصناعية غير الصديقة للبيئة، وما يجره من انبعاثات قاتلة من الغازات الدفيئة وآثارها المدمرة على مستقبل الحياة على الأرض. وما يفاقم الأمر التحول السريع لظاهرة النينو المناخية، "وهي ظاهرة تحدث في المحيط الهادئ الاستوائي تؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر عن المتوسط".
ورغم عديد مؤتمرات المناخ، وآخرها (COP28) في الإمارات العربية المتحدة قبل أسابيع، فإن وعود وتعهدات الدول لن تنفع إلا إذا التزمت فعلا بالوصول إلى الحياد الكربوني وانبعاثات من الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان) قريبة من الصفر، وفق اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، "للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، بحيث لا تزيد درجات الحرارة حول العالم عن 1.5 درجة مئوية".
المهمة صعبة إلى حد كبير، لكنها ليست مستحيلة، وما يزال الأمر بيد البشر، بعد رحمة الله عز وجل، لإنقاذ مستقبلهم، رغم أن طمعهم، وما يقوده من غباء أعمى مزمن، لا يبعث على التفاؤل والطمأنينة.
وفي نهاية المطاف، ستبقى الطبيعة في المرصاد لمن يحاول العبث معها، وعلينا جميعا الحذر، فعلا لا قولا، من غضبها قبل أن تلتهمنا بطرفة عين. وقد بدأ الوقت ينفد!
الغد