هذا ما قاله الدكتور خالد طوقان وزير الطاقة والثروة المعدنية ومسؤول الملف النووي الأردني ، خلال حفل أداء القسم القانوني لعدد من الجيولوجيين ، ولا أظن أن وزيرا بخلفية الدكتور طوقان العلمية وخبرته العملية سيدلي بتصريحات دون تثبت ويريد منها الإثارة الإعلامية ، فخالد طوقان كان يجلس في بيت خبرة وبين أهل اختصاص لا يمكن أن تمر عليهم مثل هذه التصريحات إذا لم تستند إلى أساس علمي يدعمها ، فالرجل فيما اعتقده صادق فيما ذهب إليه وهو بتصريحه هذا يجدف عكس التيار التقليدي الذي صاغ نظريته على فقر الأردن هذه النظرية الشيطانية التي جعلت هذا البلد مكبلا لكل صناديق الإقراض في العالم.
نعم هذا ما قاله خالد طوقان ولم نقله نحن حتى لا ينسب لنا أننا نتهم الأردن بالغنى –لا سمح الله- فنحن وأقسم بالله العظيم نُلقن مع الصرخة الأولى أننا فقراء وننشأ بعد ذلك فقراء وتوارينا حفرنا حين ننهي حصتنا من الحياة فقراء كما أتينا ،وبذلك فنحن أمناء على أهم عنوان وطني ،فالأردني منذ البدء عليه أن يتعلم أبجدية الفقر بدءا من مفهـوم الفقـر الوطـني وكـأن وطننا لا يمت للكرة الأرضية المتخمة بالكنوز بصلة ، وامتدادا بعد ذلك إلى السباق المارثوني للبحث عن القروض البنكية ، وبذلك يعتبر المواطن الأردني خبيرا عالميا في احتساب نسب الفوائد وطرق جدولة الديون ولكن مع كل هذه الخبرة (العرمرمية ) فالمحصلة دائما عنده (صفر).
فإذا كنـت ما تقولـه – سيـدي الوزير- صحيحا ، بأن صحراءنا ليست مجدبة وأنها تزخـر بكنوز وثروات تدحض النظرية إياها التي عشنا معها العمر بطوله وعرضه ، فلما بقي الحفاة العراة من بني وطني يدوسونها بأقدامهم المتعبة دونما أدنى تصرف أو بادرة عملية خجولة من حكوماتنا التي ما فتأت تتعامل معنا وكأننا من سقط متاعها؟.
نعلم – يا سيدي – أن الأردن من أغنى دول العالم بمادة اليورانيوم نعم اليورانيوم(ما غيره) ، وهو من الدول صاحبة المخزون الكبير عالميا في الصخر الزيتي ، ونعلم أن البوتاس ثروة كبيرة جدا لو استغلت الاستغلال الأمثل ، أما الفوسفات فأمره اشد إيلاما على القلب فمع أن حجم مخزوننا الأرضي ضخم جدا والكميات المصدرة منه كبيرة أيضا ،إلا أن ذلك لم يغير في معادلة فقرنا شيئا يذكر، ونحن على يقين أن الأردن ليس خلوا من النفط ، وهو كذلك على عكس ما يشـاع فأرضـه فيها خزانـات جوفيـة كبيرة وربمـا نعـوم علـى بحيـرة من ماء زلال، ونعلم كذلك أن جبالنا تكاد تكشف عن خبيئتها من نحاس ومنغنيز وربما ذهب وغير ذلك من خيرات الله ،إلا أن الحكومات المتعاقبة دون استثناء وعند تقديم برنامجها وخططها الخمسية والعشرية وموازنتها تصر إصرارا مريبا على أننا فقراء،وأن فقرنا وراثي لا ينفع معه طب ولا علاج ، فنعود من جديد لدورة المنح والقروض الدولة والمواطنين على حدٍ سواء حتى باتت مديونيتنا ورماً خبيثا ينذر بما هو أكثر خبثا في قادم أيامنا.
سيدي الوزير نعلم أن الحكومة أنها تعرف كل هذه الأمور ، بل ربما تعرف ما يتعدى ذلك من حقائـق عن وضعنا الاقتصادي والجيولوجي وقدرتنا الاستثمارية في التعامل مع هذه الأوضـاع بشكل إيجابـي ، ولكنها وبحكـم قبضـة شبـح الفساد الذي يتمـدد باستـرخاء فـي كل مفاصلنا آثرت أن تضع في أُذن طين وفي الأخرى عجين ، وستجعلنا نعود في كل مرة لنسأل سؤالنا المزمن كفقرنا : لما نحن من دون خلق الله فقراء بالوراثة؟.