المياه المشتركة مع دول الجوار
م. إبراهيم احمد حياصات
16-01-2024 12:59 PM
تشكل المياه العذبة المتوفرة في طبقات المياه الجوفية والمياه السطحية في الأردن والتي نتشارك بها مع دول الجوار نسبة عالية نظراً لما نعانية من شح المياه وعدم توفر البدائل الممكن الاعتماد عليها ضمن سيادتنا الوطنية. فنتشارك مع السعودية في حوض مياه الديسي (غير متجدد) وحوض الحمّاد، ومع سوريا في حوض اليرموك ومع اسرائيل وفلسطين في حوض نهر الاردن. وبالتالي فإن امننا المائي واستقراره يتطلب بالضرورة الانتباه الى تلك المصادر والاستفادة منها بالحد الاقصى.
وأحياناً ما يطالب البعض في وسائل الاعلام والندوات بضرورة قيام الاردن باسترداد حقوقه المائية من بعض دول الجوار دون ان يكون هناك اجماع على تحديد كميات هذه الحقوق كون هذا الموضوع نسبي خلافي خاضع للاجتهادات المختلفة بسبب عدم وجود قوانين دولية واضحة تحدد كيفية توزيع حصص المياه بين الدول. وتعتمد محكمة العدل الدولية ومؤسسات الامم المتحدة عند النظر في قضايا المنازعات المتعلقة بالمجاري المائية (المياه السطحية) بين الدول على ما يسمى باعلان هلسنكي عام 1966، والمنبثق عن لجنة القانون الدولي، الذي يؤكد على حق كل دولة في ان تحصل على حصة عادلة ومعقولة من المياه، ولا يعني ذلك ان يكون بالتساوي بين الدول المشترِكة. فالعدالة والمعقولية يمكن تحديدها على ضوء مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، ومن بينها على سبيل المثال:
عدد السكان واحتياجاتهم المائية ، ومدى الاحتياج لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكل دوله، ومدى توافر مصادر أخرى للمياه إضافة الى تكلفة الفرصة البديلة لتوفير المياه اللازمة لسد الاحتياجات الضرورية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترشيد استخدام مياه المصدر، وعدم الإسراف في استخدامه بما يضر بمصالح باقي دول الحوض والكميات السابقة والحقوق التاريخية لاستغلال المياه مقارنة بالكميات الحالية. كما يدخل عامل الظروف المناخية والطبوغرافية في حوض النهر، وكذلك في كل دولة من دول حوضه، بما يعنى ضمان حقوق الانتفاع للبلدان ذات الطبيعة غير الملائمة. واتاحت المبادئ إمكانية استخدام أسلوب التعويض لدولة أو أكثر من دول الحوض كأحد وسائل تسوية النزاعات.
اما في مجال الاحواض المائية الجوفية المشتركة، فلا توجد قواعد أو مبادئ تحكم استفادة الدول المتشاركة فيها، بل يتم الاستناد الى نوايا للإستخدام العادل التي تؤكد على ضرورة المقارنة وتقدير المصلحة التي تعود على دولة ما مقابل الأضرار التي تعود على الدول الأخرى نتيجة استغلالها لمياه الطبقة الجوفية المشتركة. وهذا لا يمثل قواعد قانونية ملزمة تحظى باعتراف دولي وانما نتيجة دخول بعض الأطراف الدولية في اتفاقيات مماثلة يمكن استخدامها كنماذج يُستفاد منها.
ومن هنا نلاحظ بإن تحديد الحقوق المائية قضية شائكة ومعقدة تنتج عن عملية تفاوضية مبنية على مهارة الاطراف اثناء التفاوض وعلى الاوراق الرابحة التي يملكها كل منها ومهنية الاقناع بالحجج، وتخضع لاجتهادات وقرارات مستندة الى معطيات استراتيجية وتفاوضية.
وبالنظر الى ما تقدم من مبادئ لتقاسم المصادر المشتركة، فإن جميع الاتفاقيات بين الاردن ودول الجوار، تمت من خلال اتباع نهج التفاوض للوصول الى تلك الاتفاقيات والتي حددت الكميات المخصصة لكل طرف، وبالتالي اصبحت ملزمة وتمثل إعترافاً وتحديداً للحقوق والحصص المائية بغض النظر عن ما يراه البعض من انها احتسبت الحقوق الكاملة ام لا، وان إعادة النظر فيها يتطلب توفر الرغبة من قبل الاطراف المعنية جميعها بإعادة التفاوض. فمثلاً ما هو السبب الذي يجعل اسرائيل او سوريا تقبل باعادة التفاوض على الكميات المتفق عليها في اتفاقيات المياه وزيادة حصة الاردن منها على حساب حصصها؟ وكيف نعرّف الحصص المُنصفة لكل طرف من تلك المصادر؟ لذلك ليس هناك مجالاً واسعاً لإعادة التفاوض، بل يجب بذل الجهود للتأكد من ان يتم الالتزام بما أُتفق عليه والحصول على كميات المياه الكاملة.
إن العدوان الاسرائيلي على غزة وما شهدته سوريا من أحداث منذ ما يزيد عن عشر سنوات قد اثبت بلا شك ان مصادر المياه المشتركة قد تكون عرضة للتأثر من التقلبات في العلاقات الجيوسياسية الإقليمية. وبالرغم من اهمية تكثيف التعاون والتنسيق الاقليمي في مجال المياه للحد من هذه التقلبات، فإنه من الضروري ان تعتمد استراتيجية الامن المائي الاردني بالدرجة الاولى على المصادر المحلية وضمن السيادة الوطنية كخيار استراتيجي وان يتم البحث المستمر عن موارد مائية محلية إضافية كمشروع الناقل الوطني الذي يتوقع ان يلبي معظم الطلب على المياه حتى 2035، مما يفرض ضرورة التفكير المستمر في مصادر مائية اضافية لما بعده مثل البحث في جدوى استثمار الاحواض العميقة او مشروع تحلية آخر. وتبقى المياه العابرة للحدود موارد اضافية تعزز الموارد الوطنية بحيث يمكن الاستغناء عنها عند الضرورة.