ينجحون لانهم يصمون آذانهم وأعينهم والنيران مشتعلة
محمود الدباس - ابو الليث
15-01-2024 10:02 AM
عندما كنت اتحاجج كثيرا مع صديقي البريطاني عن العرب وقوتهم ودهائهم وفزعتهم.. الا ان كثيرا من الامور لا تسير حسب ما نخطط ونريد..
فرد علي صديقي ذاك.. بانه في بلادهم.. عندما تشب النيران في برج سكني.. وتصل سيارات الانقاذ الى الموقع.. اول ما يبدأون به هو صم آذانهم واعينهم عن الحريق حتى لا تجرهم العاطفة.. والاهم في ذلك الوقت هو التركيز على خرائط المبنى.. لمعرفة طرق الخروج (الهروب) قبل الدخول.. وما يحتويه المبنى من شقق سكنية وطبيعة السكان واعمارهم.. وما فيه من مرافق او مواد خطرة.. وكذلك فكرة عن تمديدات الكهرباء والماء والغاز.. وما الى ذلك.. لان المبدأ الاساس عندنا هو المحافظة على سلامة الاصحاء اولى من محاولة انقاذ المحاصرين..
بينما انتم في الدول العربية.. تتعاملون بنظام الفزعة.. وتقودكم العاطفة.. فقد يشتعل المبنى بمن فيه وبعمال الانقاذ.. وقد يموت او يصاب بالشلل مصاب في حادث.. لانكم ستحملونه بسرعة وبشكل يوحي بانكم متعاطفون مع حالته.. وتريدون ايصاله للمستشفى باسرع وقت.. ولا تركزون في الحدث وتداعياته بشكل عقلاني..
من هذا المثل الذي ضربه صديقي قبل عشرات السنين.. اقول.. باننا تتملكنا الفزعة والعاطفة.. ولا نعطي مجالا للتفكير والعقل بان نضع -لا اقول- غالبية الاحتمالات لاي حدث.. وانما على الاقل احتمالا واحدا مغايرا ومخالفا لاهوائنا ورغباتنا وما نظنه هو الصحيح..
لذلك تجدنا نفرض ان ما يدور في خلدنا.. وما لدينا من افكار او معلومات هي وفقط هي ما هو متوفر للجميع.. فنبني حكمنا ونظرتنا وتصرفاتنا على ذلك بالمطلق.. ولا نلقي بالا بان غيرنا قد يمتلك من الافكار والمعلومات ما لا نمتلكه..
والادهى من ذلك اننا نقيس دوما بتغليب عاطفتنا وما نحب وما نريد وما نتمنى على حساب اي احتمال ولو كان ضئيلا يعاكس ذلك.. فتجد افعالنا وتصريحاتنا مبنية على عدم صم آذاننا وأعيننا في لحظات مهمة للتركيز على كيفية حل المشكلة.. ومعرفة ان كان هناك آراء وافكار مغايرة.. واخذها بالحسبان..
في الختام اقول.. ان معرفتك بما يدور في خلد الاخر.. وبطريقة تفكيره.. وبالمعتقدات والمرتكزات التي يبني قراراته وتصرفاته عليها.. مضافا الى ما لديك من مخزون معرفة وحكمة وخبرة في التعامل مع الجميع خارج اطار بيئتك المغلقة.. يعطيك افقا واسعا.. ونظرة استشرافية دقيقة لمآلات الامور.. ولن تكون ممن ينقلبون على اعقابهم اذا حدث ما لم يتوقعوه.. ويكون وقع الصدمة عليك كارثيا لا قدر الله..