ماذا بعد زيارة الملك الى "مكافحة الفساد"؟!
د.حسين الخزاعي
12-03-2011 12:58 AM
المتابع والمحلل والراصد للتوجيهات الملكية الواردة في كتب التكليف السامي الى كافة رؤساء الوزارات منذ تولي جلالته حفظه الله امانة المسؤولية في السابع من شهر شباط 1999 ، يجد توجيهات جلالته صارمة بخصوص ايلاء موضوع مكافحة الفساد العناية والرعاية والاهتمام والمتابعة ، ونقرأ في كتب التكليف السامي التأكيد على محاربة كل اشكال الفساد والمحسوبية أو الواسطة وخاصة التفنن في اشكال الوسط والتوسط والتودد ، وتطبيق القانون بموضوعية على كل من تثبت عليه تهمة الفساد وبدون محاباة ولا تمييز وبمنتهى الشفافية والنزاهة ، وتوجيهات جلالته لم تكن موجهه فقط لهيئة مكافحة الفساد بل لكافة المؤسسات الحكومية لتطبيق القانون وتحقيق العدالة بين الجميع، والبعد عن سياسات الاسترضاء التي اضاعت على وطننا الغالي الكثير من التميز والتطور والتغيير الإيجابي الذي يمكننا من مواكبة روح العصر ومتطالباته ، من خلال ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية في التعيين والترقية وتولي المناصب العامة، ومحاربة الشلل والعصابات والاذناب بمنتهى الحزم والمحاسبة والمساءلة والشعور بالمسؤولية ، فالتنمية والرضا الوظيفي والعدالة يؤديان الى الانجاز والابداع والتقدم وحب العمل والاخلاص والعطاء والانتماء للوطن، وتغرس قيم التنافس الشريف والتفاني في حب الوطن .
تابع الاردنيون زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني الى دائرة مكافحة الفساد يوم الاثنين 7 اذار ، ورصد الاردنيون رسائل جلالة الملك التي وجهها الى كل من يهمه الأمر من داخل مبنى ومكاتب هيئة مكافحة الفساد ، توجيهات حازمة وشفافة وواضحة تحرص على عدم التهاون في مكافحة الفساد واجتثاث جذوره, فلا يوجد في القاموس الملكي خطوط حمراء أمام عمل الهيئة ، وأن جميع مؤسسات الدولة, بما فيها الديوان الملكي, خاضعة لمساءلة هيئة مكافحة الفساد ، ولا يوجد شخص فوق القانون، ولا حماية لفاسد وتحويل كل من تثبت إدانته بالفساد للقضاء, وتطبيق القانون على الجميع أولوية وطنية وركيزة أساسية لتحقيق الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة في مختلف المجالات. وطالب جلالته المسؤولين بالكف عن استخدام توجيهات من فوق, داعيا إلى ضرورة التعامل بشفافية مع جميع ملفات الفساد لتعزيز ثقة المواطن بجدية الدولة في مكافحة هذه الآفة الخطيرة ومأسسة منظومة القيم المحاربة للفساد في المجتمع, وترسيخ مفاهيم الوقاية منه ضروري لتعزيز الثقة بقدرة مؤسسات الدولة على التصدي للفاسدين ومحاسبتهم وفقا للقانون من خلال تضافر جهود السلطات الثلاث, والأجهزة الرقابية ومؤسسات المجتمع والمواطنين لمحاربة الفساد, وتوعية الجميع في مخاطر الفساد, وتعزيز قيم العدل والنزاهة وسيادة القانون فكرا وتطبيقا في المجتمع.
وبعد ،،، زيارة جلالة الملك الى دائرة مكافحة الفساد واصدار تعليماته الى رئيس الحكومة الدكتور معروف البخيت الذي كان متواجدا في اللقاء وبحضور اعضاء هيئة مكافحة الفساد لتقديم جميع أشكال الدعم والتسهيلات اللازمة للهيئة لضمان قيامها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها بكل كفاءة واقتدار ، وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة التزام الحكومة بإصدار قانون حماية المبلغين والشهود والخبراء, وتعديل قانون إشهار الذمة المالية, وعند الحديث عن موضوع الفساد اشير الى لقاء جمعني مع اعضاء افاضل من هيئة مكافحة الفساد على هامش انعقاد المؤتمر الاقليمي بشأن بناء الشراكات الإستراتيجية في المنطقة العربية من اجل مواجهة الفساد الذي عقد في الأردن بتاريخ (26 تشرين اول 2010) وقد اقترحت ان يكون اهم اجراء تقوم به الحكومة لمحاربة الفساد الالتزام بعدم منح مباشرة عمل لأي مسؤول يعين في الحكومة في وظيفة امين عام او مدير عام او رئيس جامعة الا بعد ان يجتاز دورة تدريبية في دائرة مكافحة الفساد وديوان المظالم للاطلاع على تجاربهم في ضبط وملاحقة ومتابعة الفاسدين والمفسدين، والقضايا التي يتم ضبطها ومتابعتها وتحويلها للقضاء، وتوجيههم لعدم الوقوع في الاخطاء الفاسدة التي ارتكبها من ضبط فساده وتجاوزاته ، وخاصة الاخطاء الادارية والاعتداء على حقوق الآخرين ، لأن التجاوز في تعيين رؤساء الاقسام والمداراء ونوابهم ومساعديهم في الدوائر الحكومية وحتى في الجامعات لا يخضع لمنهج او مقياس او شروط او محددات معروفة ، وانما تخضع لمزاج مسؤول يقبع في برج عاجي يحيط نفسه بمجموعة من السحيجة والصعاليك الذي يخشون على مصالحهم في حال وجود مدير او مسؤول مستقيم ، والحرص على ان لا يتم اشغال مسؤول لمنصب امين عام او مدير عام او رئيس جامعة كان قد شغل اكثر من منصب واحد ، لان ظاهرة تلبيس الطواقي ونقل المسؤولين من مكن الى آخر اصبحت تطفو على السطح ، واصبحت الادارات المتقدمة بمثابة " جبر خواطر وتنفيعات وتزريقات وشراء ذمم " ، كما يجب ان يتم تعين هؤلاء تحت التجربة وان لا تصدر بهم قرارات التعيين الا بعد تعهد واداء اليمين القانوني امام رئيس الوزارء وهيئة الوزارة بالالتزام بالشفافية والنزاهة في العمل فالفساد الاداري يوفر التربة الخصبة للفساد المالي والفكري والاخلاقي، وان تعمل هيئة مكافحة الفساد على فتح مكاتب لها في المؤسسات المعروفة بتجاوزاتها الادارية والمالية حتى توقف نزف هذه المؤسسات التي لا تلتزم بالانظمة والقوانين وتتطاول على حقوق الاخرين. وزيارة جلالة الملك الى هيئة مكافحة الفساد تشكل حافزا مهما لكل مسؤول ارتكب اخطاء ادارية او مالية وسلب حقوق الآخرين ان يتراجع عن قراراته المزاجية الشللية الاسترضائية، وتمنح الفرصة لكل مسؤول مهما كانت وظيفته الادارية للالتزام باخلاقيات الوظيفة العامة لانها تحقق الخير والعدالة للجميع . فهل يتعظ هؤلاء ويعيدوا النظر في قراراتهم ؟! وهل يتوقف عشاق الواسطة والمحسوبية عن احراج المسؤولين في طلباتهم غير المنطقية؟.
مسك الكلام ،،، نياشين موشحة بالفخر نعلقها على صدور العاملين في هيئة مكافحة الفساد ونتمنى لهم التقدم والخير ومزيد من العطاء. وزيارة جلالة الملك اعطت لهيئة مكافحة الفساد دفعة قوية ومعنويات عالية لمحاربة ومكافحة الفساد والمفسدين بشجاعة وحزم.
Ohok1960@yahoo.com
اكاديمي ، تخصص علم اجتماع