الدبلوماسية الصينية وبناء مستقبل مشترك للعالم
السفير الدكتور موفق العجلوني
14-01-2024 10:26 AM
أطل علينا سعادة السفير الصيني لدى المملكة السيد تشن تشوان دونغ في حديث طيب بعنوان : "بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هدف نبيل للدبلوماسية الصينية" منشور في صحيفة الرأي الغراء بتاريخ ١٠/١/٢٠٢٤ ، وقد استوقفني حقيقة حديث سعادته عند محطات هامه عكس من خلالها طرح سؤال مهم: اين سيذهب هذا العالم؟!!.. ،سؤال برسم الإجابة ، و خاصة نحن نعيش تجربة العدوان الاسرائيلي الغاشم على فلسطين عامة و قطاع غزة خاصة منذ عام ١٩٤٨ ، و أكاد اجزم منذ أيام مؤتمر كامل ١٩٠٥ حيث تآمرت الدول الاستعمارية الغربية على سلب فلسطين و منحها وطن قومي لليهود، هذا السؤال حقيقة اين نحن ذاهبون في ضوء ازدواجية المعايير في السياسة الدولية وافتقار هذا العالم وخاصة الغرب الى المشاعر الإنسانية و حقوق الانسان و انتهاج سياسة شريعة الغاب ، وبالتالي عالمنا يحتاج الى اجابه صريحة وواقعية حيث تشابكت الاضطرابات والتحولات في العالم ،و هذا السؤال يدور في خلد شعوب العالم صاحبة الضمير الحي و الاخلاق النبيلة والمشاعر الإنسانية .
في هذه الظروف التي يعيشها العالم بشكل استثنائي فقد عقدت الصين مؤتمرا هاما : - "المؤتمر المركزي للشؤون الخارجية " تحت رعاية الرئيس الصيني شي جين بينغ . و كان اهم ما تناوله الرئيس الصيني في خطابه في هذا المؤتمر :
- إن العالم قد دخل مرحلة جديدة من الاضطراب والتحول ، إلا أن الاتجاه العام لتطور وتقدم البشرية لن يتغير، والمنطق العام لتاريخ العالم المتمثل في المضي قدما وسط التعرجات والمنعطفات لن يتغير، والزخم العام للمجتمع الدولي نحو مستقبل مشترك لن يتغير. وبالتالي يجب أن تكون لدينا ثقة تاريخية كاملة بذلك.
- بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية هو المبدأ الأساسي لفكر شي جين بينغ حول الدبلوماسية والهدف النبيل للدبلوماسية الصينية، بما يقدم حلا صينيا عن ماهية العالم الذي يجب بناؤه وكيفية بنائه، ويتفق مع التطلعات المشتركة لشعوب العالم.
- أما فيما يتعلق في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، فهدف الصين هو بناء عالم منفتح وشامل ونظيف ومشرق يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك، وإن مساره هو الدفع بالحوكمة العالمية التي تتميز بالتشاور والتعاون والمنفعة للجميع، وإن مبدئه التوجيهي هو تطبيق القيم المشتركة للبشرية، و التي تكمن في بناء نمط جديد من العلاقات الدولية، وإن القيادة الاستيراتيجية له تأتي من خلال تنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية.
وهنا يأخذنا سعادة السفير الصيني تشن تشوان دونغ الى منصة العمل التي تقوم على التعاون في بناء "الحزام و الطريق " طريق الحرير Silk Road" " بجودة عالية. وعلى هذا الأساس، تسعى الصين إلى حشد كافة الجهود الدولية لمواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك في هذا العالم إلى مستقبل مشرق ينعم بالسلام والأمن والازدهار و الرخاء والتقدم.
ويضيف سعادة السفير الصيني انه في الدورة الاولى للقمة الصينية العربية التي عقدت في شهر تشرين الأول من العام ٢٠٢٢ اتفق الجانبان العربي والصيني على تعزيز التعاون بين الجانبين و بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في الشرق الأوسط والذي يستدعي التعددية القطبية التي تتسم بالمساواة والانتظام، والالتزام بالمساواة بين جميع الدول بغض النظر عن حجمها، ورفض الهيمنة وسياسة القوة، وأن الصين تدعم سيادة شعوب المنطقة والتقوية الذاتية لدول المنطقة عبر التضامن. و على الجميع الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والتمسك بالقواعد الأساسية للعلاقات الدولية ، والعمل على إحلال السلام الدائم والأمن الشامل. حيث لم تدخر الصين جهدا لتحمل مسؤوليتها لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حسب قرارات الأمم المتحدة ، وخاصة القرارات الصادرةعن مجلس الأمن . وان بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في الشرق الأوسط يستدعي العولمة الاقتصادية الشاملة والقائمة على المنفعة المتبادلة للجميع، ومعالجة ما يترتب عليه التوزيع العالمي للموارد من الاختلالات التنموية الدولية والمحلية. وبالتالي تدعم الصين ثبات المصالح المشتركة للدول النامية بما فيها الدول العربية والإسلامية، وصيانة أمن سلاسل الصناعات والإمدادات الدولية.
بنفس الوقت تدعو الصين الى تضافر الجهود لمواجهة التحديات العالمية مثل أمن الطاقة والأمن الغذائي والتغيير المناخي وغيرها. ويجب على الجميع رفض التيار المضاد للعولمة وإساءة استخدام مفهوم الأمن، والنزعة الأحادية والحمائية بكافة أشكالها، وتعزيز الحرية والتسهيل للتجارة والاستثمار.
من جهة أخرى تتطلع الصين إلى تعزيز التعاون مع دول الشرق الأوسط، ودفع البناء المشترك لـ" الحزام والطريق" بجودة عالية، وترجمة الأعمال المشتركة للتعاون العملي بين الصين والدول العربية على أرض الواقع، والاستفادة من تكامل المزايا بين الطرفين واكتشاف إمكانات التعاون، بما يعود بالخير العميم على شعوب المنطقة . و تستعد الصين للعمل مع الأردن والدول العربية الصديقة على دعم عملية السلام وعملية والتنمية والتعاون ، وبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية معا.
من هنا فقد قدم سعادة السفير الصين تشن تشوان دونغ نظرة شاملة وواضحة حول رؤية الصين لبناء "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية". من خلال إطار دبلوماسي طموح يستند إلى مفهوم التعاون والتضامن بين الدول لتحقيق الازدهار والتقدم المشترك ، و خاصة في ضوء التحولات العالمية والاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط و العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة و فلسطين المحتلة .
لان السياسة الصينية تقوم على إقامة علاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل ، و تهدف الدبلوماسية الصينية دائماً الى تعزيز التعاون المشترك مع الأردن والدول العربية. وتؤكد على على أهمية بناء مجتمع مستدام يعكس التعددية والعدالة في العلاقات الدولية.
ولتعزيز أسس التعاون و بناء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط ، يضيف سعادة السفير الصيني تشن تشوان دونغ ، ان هذا الامر يتطلب بناء مجتمع المستقبل المشترك وتعزيز التعاون الإقليمي والالتزام بمبادئ المساواة والعدالة. وتتطلع الصين الى تكثيف الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في المنطقة ، و ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة و ما يجري في الضفة الغربية و ضرورة دعم جهود الحل الشامل والعادل والدائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .و مواصلة الجهود المشتركة نحو بناء مستقبل يسوده السلام والازدهار والتقدم. و مواجهة التحديات العالمية وتحقيق الأمان والرفاهية للبشرية.
حديث سعادة السفير حقيقة يقودني الى البيان الذي قدمه نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية السيد هان زينغ ، في الجلسة العامة للدورة الـ٧٨ للجمعية العامة للأمم المتحدة و الذي يعكس رؤية الصين الطموحة لتحقيق مجتمع ذو مستقبل مشترك للإنسانية. حيث أشار السيد هان زينغ أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قدم دعوة لبناء عالم يتسم بالسلام والأمان والازدهار المشترك، ويبرز الدور القيادي للصين في تحقيق الرؤية الصينية من خلال تسليط الضوء على التحديات العالمية الحالية مثل السلم الدولي والتنمية الاقتصادية، والتأكيد على أهمية التعاون الدولي والتضامن في مواجهة هذه التحديات. حيث يُظهر البيان التزام الصين بمبادراتها الرئيسية مثل مبادرة" الحزام والطريق " ومبادرة التنمية العالمية، وكيف تسعى الصين لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات.
بنفس الوقت ، يدعو البيان إلى الحفاظ على المساواة والعدالة وتعزيز الحوار على التصعيد، ويشدد على أهمية حل النزاعات بطرق سلمية والتعاون الدولي في مكافحة التحديات الأمنية. و إلى أهمية تحقيق المنفعة المتبادلة والتنمية المستدامة للجميع ، و تعزيز التعاون مع الدول النامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أما في مجال حقوق الانسان فقد أشار البيان الى التزام الصين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والتعاون الدولي في هذا السياق، مع التأكيد على أهمية الحوار ورفض التحزب والمعايير المزدوجة ، و الدعوة لالتزام المجتمع الدولي بالتعددية وتحسين الحوكمة العالمية، و التزام الصين بالنظام الدولي ودور الأمم المتحدة في تعزيز السلم والتنمية وحقوق الإنسان.
من هنا تتجلى أهمية الدور الصيني على الساحة الدولية في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم في تعزز التعددية والحوكمة العالمية، وتسعى الصين للتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق التنمية المستدامة والسلم العالمي.و بالتالي يتوجب على العالم الاستفادة من تجارب الصين وتشجيعها على المشاركة الفعّالة في قضايا السلام والتنمية لاعتبارات عديدة أهمها :
- تعتبر الصين من أكبر دول العالم، وتلعب دوراً بارزاً في دعم النظام الدولي وتعزيز التنمية. و بالتالي يتعين على الأمم المتحدة أن تستخدم قمتها المقبلة لتحقيق تقدم شامل في ميداني الأمان والتنمية، وضمان تعاون جماعي للمحافظة على السلام العالمي.
- تسلط الضوء على مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني ورؤيته لتحقيق التحديث الصيني، وكيف يسهم ذلك في تعزيز السلام والتنمية العالميين.
- تسليط الضوء على سياسة الصين المفتوحة على الاقتصاد العالمي وتعزيز التجارة والاستثمار الأجنبي . و هذا يعكس إلتزام الصين بدعم التنمية الاقتصادية العالمية وتعزيز التعاون الدولي.
- تشدد الصين على استقلاليتها في الساحة الدولية وترفض الهيمنة. و بالتالي يتعين على العالم فهم أن الصين تسعى إلى تحقيق التعاون الدولي العادل والمتبادل، مع احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
- يتعين على العالم الاستعداد لمستقبل متعدد الاقطاب وديمقراطي حيث تلعب الصين دورًا بارزًا. و يجب على المجتمع الدولي التعاون مع الصين لتحقيق تحول إيجابي في مختلف جوانب الحياة العالمية، مع الحفاظ على التنوع والعدالة في التعامل مع القضايا الدولية.
من هنا يأتي دور الدبلوماسية الصينية في تعزيز السلام العالمي و خاصة في الوقوف الى جانب القضايا العربية ووقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة و في الضفة الغربية ، و تعزيز الديمقراطية من خلال الدور الصيني في أروقة الأمم المتحدة و المنظمات الدولية و العلاقات الطيبة مع العالم العربي و دورها في تعزيز السلام الدائم والشامل في المنطقة والدعوة الى إقامة الدولة الفلسطينة المستقلة والقابلة للحياة على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ و عاصمتها القدس الشرقية .
و أخيراً و ليس أخراً ، لا بد من توجيه كلمة شكر و تقدير لسعادة السفير الصيني تشن تشوان دونغ على جهودة المتواصلة لتعزيز العلاقات بين الأردن والصين و في كافة المجالات .
* السفير الدكتور موفق العجلوني/ المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية.