يخوض الأردن معركتين بآن في وقتنا الراهن ؛ معركة سياسية و دبلوماسية يتقدمها جلالة الملك تحاول أن تدفع باتجاه موقف دولي يتبنى وقف العدوان على غزّة و تقديم المساعدات الغذائية و الطبيّة لأهلنا في غزّة و الضفة الغربية بكل الإمكانات المتاحة ، و تؤكد الدولة على لسان رأسها جلالة الملك أن التهجير سواء من الضفة الغربية أو غزّة بأنه إعلان حرب و يقتضي مواجهته بكل السبل المتاحة و بالتعاون مع المجتمع الدولي و العربي و بخاصة الشقيقة الكبرى مصر التي تتبنى الموقف ذاته من التهجير .
ويعدّ موقف الأردن موقفاً متقدماً على كل مواقف الدول العربية و الإسلامية و التي عبّر عنها وزير الخارجية في الحكومة الأردنية في غير موطن دولي و لقاء دبلوماسي ، وقد شهدت الساحة المحلية نشاطات و لقاءات على مستوى القادة والزعماء ، كما قام جلالة الملك بجولات عربية و إقليمية و عالمية بهدف تحشيد الدعم لاتخاذ قرار أممي بوقف العدوان على غزّة ، ضمن حدود ممكنات الدولة الأردنية و قدرتها الدبلوماسية و السياسية .
ومعركة أخرى عسكرية على حدودنا الشمالية ضد ميلشيات طائفية و عصابات تهريب مخدرات وأسلحة بقصد إدخالها إلى الساحة الأردنية و إغراقها بالمخدرات تمهيداً -لا قدّر الله- إلى زعزعة أمن البلاد و استقرارها خدمة لمشاريع إقليمية تقوم على استغلال الساحات و الدول طمعاً في تحسين فرصها التفاوضية و توسيع نفوذها على حساب شعوب هذه الدول و مستقبلها .
وهنا يبرز سؤال كبير، أين جلّ رجال الدولة و نخبها من هاتين المعركتين، وكيف يقف هؤلاء صامتين على ما يحصل في الساحة الوطنية دونما دور في الوقوف مع الدولة ودعم خطابها ايضاحاً لدورها في المعركتين الدائرتين؟ ؛ السياسية بما يصب في مصلحة إخواننا في غزّة والضفة الغربية و العسكرية على حدودنا الشمالية حفظاً لحدود الدولة و استقرارها، فضلاً عن دورهم في ترشيد خطاب الجمهور، ولا أود هنا أن أذّكرهم، حتى لا أقول أسألهم بما حظي به هؤلاء و أبناؤهم و أنسباؤهم و من بطرفهم من رعاية الدولة ودلالها على طول فترة طويلة سابقة؛ بدءاً من تولي مناصب متعددة منذ شبابهم حتى كهولتهم، رئاسة وزارية و وزراء و سفراء ومجالس إدارات لشركات و مؤسسات الحكومة و غيرها من الامتيازات الكثيرة ، لست في وارد تعدادها ، فكلنا يعرفها و لكننا ، نحن الأردنيين ، ننأى بأنفسنا عن هكذا سجالات !..
وفي الوقت ذاته أين رجال المعارضة الدائمة والموسمية عن كل ما يقدمه الأردن الرسمي والذي يتماهى مع الشعبي حسب قدرات الدولة وممكناتها المختلفة؟، فهم يؤثرون الصمت هنا ، ولا أعمم فبعضهم له مواقف وطنية مشهودة، ويدافعون عن كل شيء خارج هذا الوطن إلا عن موقف هذه البلاد وقيادتها وكأنه حرام لا يجوز اقترابه في عرفهم وأدبياتهم التي لا تنتمي تنظيمياً إلى الداخل الأردني، ويرون في كل خطوة تخطوها جهة خارجية أنها مقدرة مادحين أصحابها، بغض النظر عن صدق موقف هذه الجهة من عدمه، إنها مفارقة عجيبة؛ فمدحهم حلال على غيرنا حرام علينا في شرعتهم ومنهاجهم الذي لا ينتمي الى هذه البلاد وأرضها .
وهنا يتساوى موقف رجال الدولة مع موقف رجال المعارضة في الصمت المريب، في لحظة يحتاج فيها هذا الوطن لجهود أبنائه المخلصين ومساندتهم ليتجاوز هذا الحمى هذه الظروف القاسية ويعبر بهذه البلاد التي لا بلاد لنا غيرها إلى بر الأمان ، وسيعبرها سواء صمت هؤلاء أم اختار بعضهم الوقوف في غير جانبه .