مما جاء في المستدرك أن أخاً لبلال خطب فتاة من العرب، فقالوا: إن حضر بلال زوّجناك. فحضر بلال، فقال بلال: "أنا بلال بن رباح، وهذا أخي وهو امرؤ سيء الخُلق والدِّين، فإن شئتم أن تزوجوه فزوِّجوه، وإن شئتم أن تدَعوا فدَعوا"، فقالوا: من تكن أخاه نزوِّجْه، فزوَّجُوه".
كان موقف سيدنا بلال من المواقف الريادية التي تجلّى فيها الصدق الصريح الذي لا يقوى الكثيرون على فعله، فكيف لك أن تستدعى لتخطب فتصدق أهل الأنساب بما لا يعلمونه من عيوب الخاطب؟!.
من هنا نتعلم أن الحقيقة مُرّة لكنها في هذا الموقف - كما يقول الكبار- بخت و حظ، فلا يمكن وقف سوء اختيار بعد الخطبة إلا بكلف عالية يتحملها الطرفان، أما في هذه الحالة فهي استباق لجريمة سببها الجهل بما يدور في الكواليس من سوء خلق وغدر حدث وسيستمر وسوء أمانة تقلدها انتهازي وسيتجرع مرارتها حسن نيّة غفل فتم استغفاله.
للأسف في حياتنا اليومية يفهم الناس من يوصف بالطيب أنه درويش وعلى البركة، وهذا عيب دارج يتحمل مسؤوليته المجتمع عموماً ومن رأى الاستغفال والخداع وصمت، الطيّب ليس درويشاً مغفلاً والمخادع ليس ذكياً بل ماكراً خبيثاً.
من واجب الإنسان على كل إنسان يحمل قيم الإنسانية من تحضر ونظافة سريرة وطهر نوايا أن ينبّهه إذا غفل وأن يعلمه بزلته كي لا يصبح ديدن الجميع الصمت عند رؤية سقوط الطيبين ضحية لأي مخادع.
لن يكون حالنا أفضل من الخراف التي كلما مد يده الجزار لتناول أحدها دفعت كبشاً منها طالبةً من ذلك الخروف أن يرضى بمصيره، متناسيةً أن الخيار القادم أحد أولئك الدافعين اليوم.
نهايةً، أحداثنا اليومية تاريخ يكتبه كل واحد منا بما يعتقده ولكن أفضل الكتّاب من كتب بحياد حتى لو على حساب أن يذكر خطأه وزلته.
و هذا الأمر يدخل من ضمن حديث الرسول صلى الله عليه: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".