هنا يمكن للأعمى أن يرى
هنا يمكن للأخرس أن يتكلم
وهنا يمكن للأصم أن يسمع
هنا الواقع حلُم والحقيقة خيال
هنا .. مترو غزة باريس المباشرْ دون المرور بالمعابرْ
لا رملية ولا إلكترونية ولا أي نوع آخر من الساعات أوالإشارات أو حتى الإيماءات إلى الزمن مما يمكن توفره لضبط عقارب فِعلَتي عليه في غفلتي مغادراً غزة إلى باريس عبر هذا المترو الذي أدخله لأول مرة في حياتي بعد أن توجهت إليه تلبية لدعوة خاصة من صديق حميم لم أعرفه بعد وصلتني مذيلةً بالآتي :
تم مَدُّ هذا المترو عبر نفق ينخفض تحت الأرض إلى أعماق تبلغ مئات الأمتار يربط كافة المدن والقرى الفلسطينية بغزة ويمتد منها عبر البحر إلى باريس فالعالم وتتولى شركتنا تنفيذ كافة الإعمال المتعلقة بإنشائه وتشغيله وصيانته .. متمنين لكم الراحة والسلامة على متن رحلاتنا.
ثم عائداً من باريس التي لست أدري كيف وصلت إليها ولا كيف التقيت بالمخرج المسرحي هيرفي لواشمول ليذكر لي أن مترو غزة قُدِّمَ كإنتاج فني للفنان الفلسطيني محمد أبوسل لمادة فلمية منفذة بالرسم الإلكتروني التركيبي المُتحرَّك ثلاثي الأبعاد لناقل متعدد الوسائط يطرح حلولاً لحركة النقل في قطاع غزة وكان ذلك عام 2012 أي قبل عشر سنوات من ذاك اللقاء.
أيقنت الآن أنني في صحوتي بعد أن طرقت أذناي دقات المسرح الثلاثة وفُتحت الستارة في المسرح الرئيسي للمركز الثقافي الملكي بعمان عن ممثلة تغفو على مقاعد الركاب بانتظار عربات المترو كأنها في باريس أو لندن أو إحدى العواصم الأوروبية في الطابق تحت الأرضي منها خاطفة الدفة مني متابعة الحلم الذي انتابني وأنا قادم لمشاهدة عرض مسرحي فلسطيني في ظرف استثنائي هي وزملاؤها عبر الفضاء المسرحي على الخشبة الذي سرعان ما أخذ يمتد ويتسع ليحتوي كل من حضر في رحابه ومداه وتأثيره.
وهي الخطوب قناديلُ تضيء له الدروب فكذلك أوحى المخرج الفرنسي هيرفي لواشمول بوصفه للفلسطيني في حديث له لوكالة الأنباء العالمية رويترز قائلاً :
بدت الفكرة كأنها مزحة بأن تحول عملاً فنياً تركيبياً لرسم ثلاثي الأبعاد إلى مسرحية تحمل ذات الاسم والمضمون وأضاف :
تم عرض العمل التركيبي في باريس في العام 2012 في المعهد العربي الفرنسي وقمت بعد ذلك بورش عمل في قطاع غزة مع طلاب وممثلين شباب ودخلت في التجريب معهم وبداخلي قناعة أنه من المستحيل عمل مسرحية مبنية على عمل فني ولكن وبعد مرور سنوات تذكرت عمل محمد أبوسل وبالبناء على فكرة أن الحلم أداة سياسية لتذكير العالم بطريقة مختلفة قلت لنفسي لماذا لا يكون للفلسطيني شيىء مختلف في فلسطين وقررت أن أقوم بتقديم هذه الفكرة على خشبة المسرح وقد كان حيث قدمنا المسرحية عرضاً افتتاحياً على مسرح القصبة في رام الله عام 2022 من إنتاج مسرح الحرية في جنين وبطولة أحمد الطوباسي وشادن سليم وياسمين شلالدة ثم توقفت عروضها لفترة بسبب جائحة كورونا واستؤنفت لاحقاً في الأردن باستضافةٍ من فرقة المسرح الحر ونقابة الفنانين الأردنيين ورعايةٍ لسعادة نقيبها الأستاذ المخرج محمد يوسف العبادي فاتحين لفريقها المدى الأرحب لعروض لاحقة حيث كان العرض التالي لمترو غزة هو العرض الافتتاحي للدورة الرابعة عشرة والحالية لمهرجان المسرح العربي المقامة حالياً في بغداد والمحتوية على تسعة عشر عرضاً مسرحياً عربياً وللأردن منها عرضان .
مترو غزة هي مرافعة فنية تعتمد أسلوب مسرحةِ الفكرة وذلك بإطلاق سراحها على الخشبة وتجاوزِ المتاح دون التعثر أثناء القفز عن الحواجز وكسرِ التابوهات والقواعد الفنية والواقعية وحتى القانونية وهي المساحة الفسيحة التي يوفرها التجريب للمسرحي دون غيره كعمل إبداعي يأتي بالشيء من العدم ويحرك الساكن من حوله أو مما هو عليه محتويةً هذه المرافعة كافة العناصرالمطلوبة من حيث الرؤية والصياغة وجودة الأسلوب وقوة التعبير لضمان نجاحها وهي تقدم الآن بالتوازي مع جلسات المحاكمة للعدو في لاهاي في أعلى محكمة دولية في العالم بمحاكمة أوصلـت العدو فيها إلى خسارته الثالثة بعد السابع من أكتوبر والتدمير والقتل والاجتياح الفاشل لغزة وقبل انتهاء جلساتها وصدور قرار المحكمة والنطق به مهما كان.