يدور حديث واسع على الصعيدين الأهلي والرسمي عن تداعيات حرب غزة على الاقتصاد الأردني.
والتركيز في هذا الحديث ينصب على ثلاثة محاور، وهي المقاطعة الاستهلاكية، وتراجع السياحة، والتردد في الانفاق والاستثمار.
المشترك بين جميع هذه التطورات أنها تعود لقرارات واختيارات المستهلكين.
فمن قرر أن يقاطع أو أن يمتنع عن إقامة حفل زفاف أو أن يؤجل شراء شقة هو المستهلك نفسه نتيجة قناعات مبدئية أو قراءات للمشهد السياسي والإقليمي.
المهم أن يدرك الجميع بأن مثل هذا النوع من الجمود لا يمكن معالجته من خلال تخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي. فالمسألة لم تتعلق بداية بالكلف والأسعار حتى تنتهي عندها.
وحتى لو كانت الأسعار والكلف سلاحا لإعادة جذب المستهلكين، فعوامل العرض والطلب وانعكاساتها المباشرة على العروض الترويجية كفيلة بتحقيق التخفيض أو التحفيز المطلوب، دون الحاجة لتدخل الحكومة.
لا بل إن الحكومة شريك رئيسي ومتلقي مباشر للخسائر نتيجة التراجع الاقتصادي الحاصل. فإذا كنا أمام تراجع في الدخل السياحي ب 200 مليون دينار شهريا، فنحن نتحدث عن خسائر ضريبية نتيجة لذلك بواقع 70 مليون دينار في الشهر أو 840 مليون دينار سنويا - طبعا في احال استمرار الأزمة والإحجام عن السياحة.
ذات الأمر ينطبق على تراجع الأنشطة الاقتصادية الأخرى، يضاف إليه خسائر قطاع الطيران (مطار الملكة علياء) والنقل الجوي (الملكية الأردنية)، واحتمالية ارتفاع أسعار السلع الأساسية المدعومة، وفرص انقطاع الغاز الإسرائيلي، وما يعنيه ذلك من كلف إضافية على الخزينة بمئات ملايين الدنانير.
ماذا نفعل إذا؟ ما يمكن عمله هو محاولة التأثير على الرأي العام بالعودة للأنشطة الطبيعية. وأيضا التوعية بالآثار السلبية للخيارات الحالية للمستهلكين، بما يحمله ذلك من تأثير على قدرة الأردن على الصمود واتخاذ مواقف أقوى على المستوى الخارجي.
هذا الإجراء هو ما بدأنا فعلا نشهده من خلال الخطاب الإعلامي الرسمي ورسائل الكتاب والمؤثرين وقادة الرأي العام. ويبقى أيضا قوة الحياة ومسارها الاجتماعي الجارف، الذي يضمن استعادة زخم الأنشطة الحياتية، ولو بعد حين.
الدرس الذي تعلمناه من أزمة كورونا يؤكد بأن التعافي من أزمة غزة -الأصغر حجما بكثير- سيأخذ منحنى "V"، وأن دور الحكومة في هكذا أزمات يتمحور حول حماية المالية العامة عبر خفض النفقات وتعزيز تحصيل الإيرادات، إضافة إلى توفير تمويل الحماية الاجتماعية للمتضريين، وتمكين المؤسسات من امتصاص الصدمة، عبر تأجيل القروض وتوفير التمويل التجسيري لتجاوز المرحلة.
أما الدرس المهم بالنسبة لمستوى التأثير في الرأي العام، فهو أهمية الاستمرار في الإصلاح السياسي، وضرورة دعم مؤسسات ومراكز الأبحاث المستقلة، وكذلك حفاظ الدولة على سياسة المسافة الواحدة من جميع القوى والتوجهات تحت مظلة الوطن والقانون.