بحر الثقافة والفنون يحتاج دوماً لبحار حكيم للتعامل مع أمواجه، وليس الى هاوي تغدو به رياح التجارة والإستعراض لأي جهة وأينما مسار.. فالإبحار وصيد اللآلئ يحتاج الى الصبر والحكمة والإتزان في إدارة دفة السفينة التي تحمل التجربة الثقافية.. ليكون مصير هذه التجربة إما النسيان أو نحو مراسي النجاح والتميز.
التجربة الثقافية التي تخلد صاحبها لا شك أنها ليست حالة عارضة، فهي تجربة منشؤها موهبة وإستعداد، وأخلاق طيبة حسنة وسلوك منضبط ورؤية منفتحة نحو الآخر وسعي حثيث للمواكبة مع الحفاظ على الأصالة وتفرد التجربة دون الذوبان في تجارب الآخرين.. فالمُطلع على إرث الحضارات الإنسانية المختلفة، يجد أن الأعمال الفنية الخالدة التي ورثناها على إختلاف صنوفها هي من نقل الرسالة الإنسانية الخالدة الى الأجيال المتعاقبة.
وبين هذا التخبط الذي يجتاح أحوال الثقافة وناسها بين الفينة والأُخرى تبرز تجليات شخصية وتجارب فردية تكاد أن تكون نموذجاً للفن والفكر الواسع الذي يُغلف بالإنسانية الرفيعة ويوشى بأحجار الأصالة التي لا يبدلها زيف أو مصالح فردية قصيرة الهدف والأمد.. فالمثقف والفنان الملتزم، هو الذي يتحلى بسلاح الدراسة والبحث ويكتفي من تجربته بالعمل الدؤوب دون إستخفاف أو إفتعال للمواقف أو تدبير المكائد والمصائد بين الأوساط ومرتاديها.. فهذا هو فعلاً المثقف الحقيقي الذي نريده كي نفاخر بوجوده بيننا جميع الأمم.
فكم من مثقف وفنان تلاشى أثر تجربته لأنه لم يجد إمساك دعائم العمل الثقافي المرتكزة على القوائم الأدبية والأخلاقية السليمة، فبات في مهب غروره الذي جنى على تجربته وأحالها الى نبتة جافة هزيلة في مهب نسيان الأعمال.. فعلى المبدع الحقيقي أن يُبدي إنسجاماً في تجربته العملية دون إستعراض أو سعي لعمل خبطات فنية أو ثقافية زائفة كما يتهافت بعض من المثقفين والفنانين على إقترافها دون علم رصين ولا تجربة فنية ضاربة بأرض صلبة.
هناك في الحياة مثقفون متميزون حفروا أسماؤهم بأحرف من نور عن طريق جدهم وعملهم حتى وصلت رسالتهم الثقافية الخالدة لكل الشعوب.. وتركوا لنا إرثهم الذي لا يقدر بثمن من كتب ومؤلفات في مختلف أشكال الأدب والفنون.. فقد خلّد التاريخ الإنساني عدداً من المثقفين المبدعين بمكانة تليق بمنجزاتهم الأدبية الراقية، فهناك أعمال إبداعية هامة سميت بأسمائها أمم وحضارات.. لذا على المثقف الحقيقي والملتزم أن يعي كيف يوجه سفينة إبداعه بكل هدوء وروية في بحور الثقافة الواسعة!
Diana-nimri@hotmail.com
الرأي