التوجه لمحكمة العدل الدولية بدعوى أقامتها جنوب أفريقيا على إسرائيل سيكون امتحانا حقيقيا للمجتمع الدولي ومنظومته الأممية التي ترهلت كثيرا ولم تعد تملك عافيتها "الدولية" لترسيخ السلم الدولي.
لكن من جهة ثانية فإن زخم المساءلة القانونية الدولية قد يفضي إلى وقف الحرب على غزة بقوة المجتمع الدولي، ومفهوم المساءلة القانونية الدولية نفسه كان طرحا أردنيا في مؤتمر القاهرة للسلام بعد أسبوعين من بداية العدوان وعمليات 7 أكتوبر.
في المؤتمر، قال الملك عبدالله الثاني وقد اختار عمدا ان يخاطب العالم باللغة الإنجليزية: (.. وعندما يتوقف القصف، لن تتم محاسبة إسرائيل، وسيستمر ظلم الاحتلال وسيدير العالم ظهره، إلى أن تبدأ دوامة جديدة من العنف. إن سفك الدماء الذي نشهده اليوم هو ثمن هذا الفشل في تحقيق تقدم ملموس نحو أفق سياسي يحقق السلام للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء).
كانت تلك أولى الإشارات إلى ضرورة المساءلة القانونية التي تجلت وتبلورت بوضوح في الخطاب الرسمي الأردني بعد ذلك على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي.
بلهجة يائسة من "العدالة الدولية" يقول الملك إنه لن تتم محاسبة إسرائيل وإن العالم سيدير ظهره للظلم الذي سيمارسه الاحتلال.
فهل سيدير العالم ظهره فعلا؟
تقول إسرائيل في دفوعها المبدئية ان عدوانها على غزة حالة دفاع عن النفس، ولاجتثاث "الإرهاب" الذي تتعرض له، وقامت ببث سيل من الأخبار والصور عما ادعته من فظائع قامت بها حماس على حد قولها.
ربما كان الحضور والمثول أمام المحكمة الدولية فرصة لوضع الجميع على مسطرة العدالة الدولية، وعلى إسرائيل ان تثبت دعواها "المدعومة بزخم سياسي رسمي كثيف من واشنطن"، لكن على العالم أن يحقق بذات مسطرة العدالة في كل تصرفات إسرائيل التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين في قطاع محاصر ومنكوب ومغلق من كل الجهات تحت طائلة الاحتلال، وليكن التحقيق – إن أمكن ذلك- شاملا للضفة الغربية التي تخضع لذات الاحتلال الإسرائيلي.
لن أتفاءل كثيرا " مع أمل أحمله لأننا محكومون دوما بالأمل" بتجريم كامل لإسرائيل، لكن التفاؤل ربما يكون موضعه في أن تدفع عملية تحريك المساءلة الأممية في محكمة دولية إلى ضغط سياسي لوقف إطلاق النار فورا في القطاع المنكوب بهذه المجازر العدوانية.
ندخل المائة يوم والقصف الوحشي يتصاعد، وعداد الضحايا وصل إلى أرقام غير مسبوقة في مجزرة علنية أمام عيون العالم، والعالم لا يملك قدرة وقف هذا العنف، لعل بدء المحاكمة الدولية بدعم أممي "يتوسع ببطء" قد يحقق أهم الأهداف الآنية: وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات بكافة أشكالها للقطاع.
هي دائرة عبثية من العنف لن يوقفها إلا معالجة جذرية لكل أسباب هذا العنف، ومواجهة السبب الرئيس بصراحة وهو "الاحتلال".
بدون ذلك، سيستمر العنف ولن يتوقف، وكل الحلول الساذجة التي تعتقد أن عمليات التهجير أو ترحيل الأزمات أو نقلها وتوسيعها إقليميا لن تكون إلا حفرا أعمق في الأزمة لا ردم لها.