مع استمرار الصراع في غزة، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية لديهم خطط مقلقة لمستقبل المنطقة. في حين أن عدم وجود استراتيجية ملموسة لغزة كانت نقطة خلاف، اذ تشير التطورات والتصريحات الأخيرة إلى أن هناك تيارا خفيا مقلقا – اقتراح ليس فقط بالقضاء على حماس ولكن أيضا تهجير جزء كبير من سكان غزة.
بدأت الدعوات للتهجير قبل وقت طويل من الدمار الذي يجتاح غزة حاليا. تم طرح مقترحات لنقل سكان غزة إلى منطقة سيناء المصرية بعد أيام فقط من الحادث المأساوي الذي تعرضت له حماس في أكتوبر. وذهب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى أبعد من ذلك، داعيا إلى الهجرة الطوعية لأهل غزة إلى مختلف البلدان في جميع أنحاء العالم. وأيدت وزيرة الاستخبارات جيلا غمليئيل فكرة مماثلة، وأطرت إياها كإجراء إنساني.
وتشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كلف وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بوضع خطة "لتقليص" سكان غزة من خلال تشجيع المغادرة الجماعية. ويزعم أن نتنياهو سعى للحصول على دعم دولي، وحث قادة مثل الرئيس بايدن على الضغط على مصر لقبول مئات الآلاف من اللاجئين في غزة.
وفي حين قلل بعض المسؤولين من أهمية هذه التقارير أو نفوها، تشير التصريحات الأخيرة الصادرة عن القادة الإسرائيليين إلى أن الحديث عن مغادرة الفلسطينيين من غزة يكتسب زخما في اجتماع لحزب الليكود، ومن جهة أخرى أقر نتنياهو بالجهود المبذولة لتسهيل المغادرة "الطوعية" للفلسطينيين، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى بنشاط إلى دول مستعدة لاستقبالهم.
الواقع على الأرض في غزة مزري بالفعل، حيث يقدر أن 85٪ من السكان نازحون. هنا الكارثة الإنسانية تتكشف، وتتفاقم بسبب البنية التحتية المتضررة وأزمة السكن. والعواقب وخيمة، حيث قتل أكثر من 22,000 من سكان غزة، و40٪ منهم معرضون لخطر المجاعة، ومن المحتمل أن يواجه ربع السكان الموت بسبب المرض أو نقص الرعاية الطبية خلال العام.
إن فكرة النقل الطوعي للسكان مثيرة للقلق بشكل خاص في ضوء التهجير التاريخي للفلسطينيين، الذي يعود تاريخه إلى نكبة عام 1948. يدرك الفلسطينيون في غزة جيدا أن المغادرة قد تعني التنازل عن حقهم في العودة، مكررين مظالم الماضي عندما حرمت عائلاتهم من فرصة العودة إلى ديارهم.
في الوقت الذي تعرب فيه الأردن ومصر وإدارة بايدن عن معارضتهما لإعادة توطين سكان غزة، يعتقد بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية أن مصر قد تكون عرضة للضغوط بسبب ديونها الكبيرة. كما يمكن أن يتغير المشهد السياسي، كما يتضح من تصريحات شخصيات مثل هالي، تشير إلى أن سكان غزة يجب أن يذهبوا إلى "الدول الموالية لحماس".
إن الخلفية التاريخية المرعبة، إلى جانب الأزمة الإنسانية الحالية، تثير المخاوف بشأن مصير سكان غزة. ويجب على العالم أن ينتبه إلى علامات التحذير وأن يعمل بنشاط من أجل التوصل إلى حل عادل وإنساني يحترم حقوق وكرامة الشعوب التي وقعت في مرمى النيران. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي بينما تتكشف الخطط التي قد تؤدي إلى التهجير القسري لشعب بأكمله، مرددا أصداء التاريخ المؤلمة.
وهذا يعكس خلفية تاريخية تقشعر لها الأبدان، حيث يواجه الفلسطينيون في غزة حقيقة قاتمة مفادها أن المغادرة قد تعني عدم العودة أبدا، مما يعكس عمليات النزوح الجماعي في عامي 1948 و 1967. نادرا ما يعبر قادة إسرائيل عن أسفهم لهذه الأحداث، وفي بعض الأحيان، يستخدمونها كسابقة، ويصدرون تحذيرات تذكرنا بالماضي.
لقد تم تحذير العالم، وبينما تتكشف مأساة غزة، يتحتم على المجتمع الدولي أن يتحرك. ولا يمكن تجاهل التكلفة البشرية لاستراتيجية غير المعلنة، تتسم بنقل السكان والظروف غير الصالحة للعيش. ويجب أن يتحول التركيز نحو إنهاء الصراع، وإعادة بناء غزة، وضمان الحفاظ على حقوق وكرامة شعبها. يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أن تلعب دورا محوريا في الدعوة إلى حل عادل وإنساني لهذه الأزمة، ورفض أي استراتيجية تنطوي على التهجير القسري لسكان غزة. فمتى سيحين وقت العمل، قبل أن تزهق المزيد من الأرواح، وتصبح غزة رمزا لكارثة إنسانية كان من الممكن تجنبها.