صمود حماس: واقع مقلق لإسرائيل
د. محمد عبدالله اليخري
09-01-2024 10:34 AM
مع بداية عام 2024، يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة، الذي يهدف إلى القضاء على قدرات حماس العسكرية والحاكمة، دون حل واضح في الأفق. وارتفع عدد القتلى من كلا الجانبين، مع فشل المحاولات السياسية للسلام حتى الآن. وتؤكد إسرائيل أنها مسألة وقت فقط قبل أن تحقق هدفها، لكن تحليلا دقيقا يشير إلى أن حماس نجت من العاصفة بقوة.
القوة العسكرية لكتائب القسام:
وقد أثبت الجناح العسكري لحماس، كتائب القسام، أنه قوة هائلة. وعلى الرغم من تكبد كتائب القسام خسائر فادحة، مع ادعاءات بمقتل الآلاف على يد إسرائيل، إلا أنها لا تزال وحدة قتالية فعالة. وتشير التقارير إلى أن جزءا صغيرا فقط من كتائبها أصبحت غير صالحة للعمل، مما يدل على قدرة المنظمة على التكيف ومرونتها.
وبتقديرات ميدانية تتراوح بين 30,000 و45,000 مقاتل، تظهر كتائب القسام قدرة على الحفاظ على استمرارية القيادة، مع تصعيد نواب القادة بسلاسة بعد الضربات الجوية المستهدفة على قادة الكتائب. إن تدمير إسرائيل للأنفاق لم يشل قدرة «حماس» بل تأقلموا بكل سرعة واعتمدوا استراتيجيات أخرى للدفاع، مما يشير إلى الفطنة الاستراتيجية للحركة.
الدعم من الفصائل المسلحة الأخرى:
حماس لا تقاتل وحدها. وهي تحظى بدعم مختلف الفصائل المسلحة، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، ولجنة المقاومة الشعبية، وحتى كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لمنافستها، فتح. ويظهر التنسيق بين هذه الجماعات تحت مظلة حماس، على الرغم من اختلاف الانتماءات السياسية، وحدة براغماتية ولدت من الضرورة. ويضيف هذا التعاون، مع عدم الإبلاغ عن أي تصدعات أو توترات، إلى نجاح «حماس» على الأرض.
البقاء والنفوذ السياسي
وخلافا لهدف إسرائيل المعلن، تصر حماس ككيان سياسي. وبينما تصر إسرائيل على أنه لا مكان لحماس في غزة ما بعد الحرب، إلا أنها فشلت في تقديم بديل ملموس. تواصل حماس السيطرة على ما تبقى من المباني المدنية المتضررة في قطاع غزة، مما يجعلها سلطة الأمر الواقع. إن مشاركة المنظمة في المفاوضات غير المباشرة التي أدت إلى وقف مؤقت لإطلاق النار تسلط الضوء على نفوذها الدائم.
الشعبية في الضفة الغربية:
وخلافا للرواية الإسرائيلية والغربية السائدة، اكتسبت حماس شعبية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد أدى الإحباط من عدم كفاءة فتح والعدوان المتزايد من المستوطنين الإسرائيليين إلى اعتبار الكثيرين حماس مدافعا شجاعا عن الحقوق الفلسطينية.
شهدت الحرب في غزة عرضا علنيا لدعم حماس، حتى في الضفة الغربية، حيث رفع الفلسطينيون أعلام حماس إلى جانب أعلام فتح. إن تصور حماس كمجموعة تقاوم القمع الإسرائيلي يتردد صداه لدى أولئك الذين يشعرون بخيبة أمل بسبب عدم إحراز تقدم منذ اتفاقات أوسلو.
والمثير للدهشة أن حماس وبعد ان اكتسبت شعبية بين الفلسطينيين في الضفة الغربية. يرى الكثيرون المحبطون من أوجه القصور والفساد داخل فتح أن حماس مدافع شجاع ضد القمع الإسرائيلي. وقد أدى العدوان المتزايد من جانب المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين في الضفة الغربية إلى زيادة نفور الفلسطينيين، مما أدى إلى إظهار الدعم العلني لحماس.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إسرائيل للقضاء على نفوذ حماس، لا تزال المنظمة قوة سياسية في غزة. ولا تزال تسيطر بحكم الأمر الواقع إن لم يكن بحكم القانون، على الهياكل المدنية المتضررة بشدة في المنطقة. تظهر المفاوضات غير المباشرة، التي أدت إلى توقف مؤقت في الهجوم وتبادل محدود للأسرى، أن حماس هي لاعب رئيسي في أي سيناريو ما بعد الحرب.
في الجوهر، على الرغم من الخسائر الفادحة والتصور الغربي السلبي، تخرج حماس من هذا الصراع بأسباب أكثر للرضا من القلق. ويظهر بقاؤها، ومرونتها العسكرية، وقدرتها على توحيد الفصائل، والدعم المتزايد في الضفة الغربية، أن حماس تمثل بالنسبة للعديد من الفلسطينيين مقاومة حازمة ضد المظالم المتصورة. ومع استمرار الصراع، يبقى أن نرى كيف ستشكل هذه الديناميكيات مستقبل غزة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع.
وفي حين ترفض إسرائيل فكرة حماس في الحكم المستقبلي، فإن الخطط البديلة غير موجودة، والاقتراحات الدولية تفتقر إلى التفاصيل الملموسة. وفي الوقت الراهن، يبدو أن ل «حماس» وجودا دائما.
في الخلاصة، مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، تخرج حماس من الفوضى بنفوذ سياسي، وجناح عسكري مرن، وفصائل مسلحة موحدة، وشعبية متزايدة في الضفة الغربية. وفي حين أن الوضع لا يزال مائعا، يشير التحليل إلى أن حماس لم تتغلب على العاصفة فحسب، بل عززت موقفها في العديد من الجوانب في نظر أولئك الذين تدعي أنها تمثلهم. ويبدو الطريق إلى حل دائم بعيد المنال، ويبدو تأثير الهجوم الإسرائيلي على إضعاف حماس، على الأقل في الوقت الحالي، أقل حسما مما كان متوقعا في البداية.