لا يرون .. لا يسمعون .. لا يتكلمون
جهاد المنسي
08-01-2024 12:09 AM
يشل اللسان.. تعجز لغة الكلام، تختفي العبرات، تسرق البسمات، من هول مناظر الدمار في غزة، تتجمد العيون وتنفطر القلوب؛ عندما نرى جثث أطفال لا ذنب لهم، ونساء قتلوا بدم بارد، تسقط الإنسانية صامتة، تلوي عنقها، تشيح ناظريها، تغمض عيونها لكي لا ترى حجم الإبادة في القطاع.
تسود لغة القتل والسحل والدم في تل أبيب، تحمل مذيعاتهم أسلحتهن على الهواء، ينشد أطفالهم أناشيد كراهية وقتل وإبادة وعنصرية، يطالب وزراؤهم وأعضاء كنيسهم بقتل أطفال غزة قبل رجالها، وضرب القطاع بقنبلة نووية، ولا يتحرك للعالم ساكن، ويصبح دواعش تل أبيب يقتلون برعاية أميركية وغربية، دون أن تتحرك عواصم تلك الدول لوقف حجم الكراهية التي تنضح من أفواه دواعش تل أبيب.
تسكت منابر دولية وعربية وإسلامية، وتفشل الأمم المتحدة في قول كلمتها وتنفيذ رغبات أعضائها، بوقف الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني، يجبن الأقوياء عندما يرون هول المناظر، ويهرب الشجعان وهم يشاهدون شدة القصف، ويرتفع صوت المنافق والخائن نقدا وتجريحا لمقاومين ضحوا بالدم دفاعا عن الوطن واستقلاله، فأولئك المرتجفون يستفزهم الصمود، يجرحهم الصبر، تقتلهم الرجولة التي يبحثون عنها لديهم دون العثور عليها.
في قطاع غزة التي لا يتجاوز مساحتها 365 كيلو مترا مربعا، وعلى مدار 94 يوما من حرب إبادة وتطهير عرقي وحصار وتجويع تشنها آلة الحرب الفاشية الإسرائيلية بمساعدة واشنطن وقوى الاستكبار الغربي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة البالغ عدهم 2.5 مليون يمارس أقصى درجات التجويع والفاشية والسادية والعنصرية والتمييز العرقي والإبادة، والتشريد، والسحل، والتلوث البيئي.
وفي القطاع بموازاة ذلك صمود وانتصار حير جنرالات جيوش صهيونية وغربية، وأفكار عسكرية حيرت استخبارات الغرب، وتصميم على الحرية وضعت أولئك المشككين في زوايا اللطم والنواح، ومقاومة شعب يبحث عن حريته المسلوبة منذ عشرات السنين.
في غزة، تنهار جيوش نظامية، وتسقط مخططات عسكرية، ويتألق المقاوم حافي القدمين، ويتعملق صمود يعانق سماء الوطن ويلامس قناديل الحرية، فتختلط الأوراق، وتتبعثر المخططات، وتسقط أوهام التهجير، ويتمسك الفلسطيني بأرضه حد الاستشهاد على ترابها.
في غزة لا مكان للوهم، فالصمت كشف عورات منظمات حقوقية وأممية وصحية وبيئية عجزت عن تنفيذ أهدافها التي أوجعت رؤوسنا بها حوّل حق الإنسان في الحياة ورفض التشريد والتجويع واستهداف المدنيين والمستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس ودور الإيواء وغيرها.
في غزة تعرت دول غربية طالما تغنت بحقوق الإنسان، وصدعتنا بكلمات إنشائية عن الحرية والديمقراطية وحق الفرد في الحياة والعيش، والشعوب بالاستقلال، وفصل الدين عن الدولة والبحث عن علمانية الدول، وعند منعطف غزة تنحاز تلك الدول المنادية بالعلمانية لدولة دينية ترفض الآخر وتسعى لفصل عنصري وإبادة جماعية وإقامة دولة يهودية خالصة ترفض وجود أديان أخرى وتسعى لإبادتهم وتهجيرهم، فأي انفصام يمارسه الغرب، يريدون منا الإيمان بفكر الدولة التي تستوعب الجميع والتي نؤمن بها دون تدخلهم، وفي الوقت عينه يدعمون ويساندون دولة عنصرية دينية فاشية، ولذلك فنحن الأجدر بمطالبتهم عدم الكيل بمكاييل مختلفة والإيمان بما نؤمن به نحن حول دولة المؤسسات والقانون والعيش المشترك، فنحن الأجدر بتعليمهم قيمنا وليس هم.
في كل الأحوال بعيدا عن الغرب ورؤيته المنحازة سنبقى دوما نؤمن بحق الإنسان وأن المقاومة حق، والدولة للجميع، وطريق الاستقلال طويل وفاتورته مرتفعة، وأن من يحمل روحه على راحته أكرم من الجميع، وأن من يدافع عن استقلاله يستحق الاحترام والتقدير.
ونحن في الأردن سنبقى نعرف أن هذا الكيان الغاصب يمتلك الكثير من أصوات النشاز التي لا تؤمن بالسلم، وتؤمن بعقائد تاريخيّة بالية وتسعى لزعزعة الأمن لدينا، والتصريح بعبارات جوفاء لا قيمة لها إلا أنها تزيدنا إيمانا أن وجود الكيان في منطقتنا بمثابة سرطان في الجسد لا بد من استئصاله وإن طال الزمن.
الغد