بسهولة يمكن شراء الوقت لأنه سلعة رخيصة أولا ووسائل الحصول عليه متوفرة! لذلك فان عمليات شراء الوقت لا تحتاج إلى شطارة أو ذكاء فكل ما في الأمر هو التسويف واختلاق الأعذار وافتعال العوائق وهكذا نحصل على كميات كبيرة من الزمن المهدور.. من أعمار الناس.
تفعل ذلك الحكومات وتتميز واحدة عن أخرى في قدرتها على جعل عمليات شراء الوقت عملية مقبولة شعبيا ففي حين ينتظر الناس تعاطيا سريعا وجديا مع ملفات الإصلاح الشائكة تأتي الحكومة لتصنع فرق ولجان وغير ذلك من آليات القتل المنظم للزمن وفي نهاية المطاف تتأجل الملفات الحيوية.
مثل هذا الأمر كان يعد أمرا مجديا من وجهة نظر الممسكين بزمام القرار ففي حين تم توليد وزارة للتنمية السياسية في العام 2003 للإعلان عن وجود «فترينا» تصلح لعرض نوايا الإصلاح كان الذي يجري على الأرض عكس ذلك تماما فتركزت السلطة بدلا من أن تتوزع وضاقت قاعدة صناعة القرار بدلا من أن تتسع وحصلت عمليات واسعة لشراء الوقت ندفع ثمنها الآن.
غير أن اللافت أننا ما زلنا نمارس ذات اللعبة فنشير إلى اليمين ونسير إلى الشمال وبدلا من توسيع قاعدة المتحاورين في شأن مستقبل العمل السياسي في البلاد يجري وعلى المستوى الرسمي إخافة الأردنيين من بعضهم البعض بل وفي أحيان أخرى يجري تحريض البعض على البعض وكأن افتعال الانقسام غير الموجود غاية بذاتها من اجل تأبيد الوضع الراهن.
إن أبشع سلوك سياسي هو ذلك السلوك الذي يحاول أن يضع الأردنيين في مقابل بعضهم بدلا من أن تكون الأكتاف متلاصقة! فإرعاب الناس من العامل الديمغرافي ليس هدفه الخوف على الهويات بقدر ما هو عملية منظمة لوضع العصي في دولاب الإصلاح.
هناك من يدعي الحكمة فيقول ان مشكلتنا تتصل بتوفير مليار دينار وان توفير هذا المبلغ من شأنه أن يؤجل الإصلاح السياسي عشرة أعوام أخرى وهذا الرأي المغرق في الذكاء لا يعرف أن الكثير من الناس لم تعد تحفل بالآني من المعيشي بقدر اهتمامها في المشاركة الفاعلة في إدارة مواردها بعد أن تبين بان الآليات المتبعة في إدارة الموارد أنتجت فسادا غير مسبوق وإهداراً للفرص لا ينبغي ولا يجوز الإمعان فيه.
الحياة مواقف تتحدد عبر المواقع، فمن كان موقعه متقدما فان لا مصلحة له في إعادة توزيع الأدوار ومن كان مستفيدا من وضع قائم فانه بغرائزه يعرف أن أي تغيير محتمل قد يطاوله، فكثير ممن يعرفون قيمة الإصلاح حق المعرفة يقفون على النقيض من حركة التاريخ، وأيضا كثير ممن يصب الإصلاح في جابيتهم يقفون موقف المعارض له نتيجة الجهل في الحقوق وما بين مسؤول لا يريد الإصلاح ومواطن يجهل فوائد الإصلاح تختلط الأوراق بما يكفل تأبيد الوضع القائم.
(الرأي)