ونحن نحتفل باليوم العربي لمحو الامية
فيصل تايه
07-01-2024 10:05 PM
يصادف يوم الاثنين الثامن من كانون الثاني " اليوم العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار" ، والذي أقرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من خلال "الجهاز العربي لمحو الامية وتعليم الكبار" ليأتي في مثل هذا الوقت من كل عام ، حيث يحتفل فيه بالجهود الحثيثة لمحاربة هذه الظاهرة والتي هي مشكلة خطيرة تقتضي جهدا عربيا مشتركا لمواجهتها ، فكانت وما زالت تتحدى ارادة الامة وتعيق جهودها في الوصول الى التقدم ومتابعة التطورات الحضارية في مختلف المجالات .
ان "اليوم العربي لمحو الأمية" يشكل مناسبة لإبراز الانخراط القوي للدول العربية في حراك عالمي لاجتثاث آفة لا تزال تثقل كاهل المنطقة العربية ، وتعيق مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمعظم دولها ، فهذا اليوم يأتي ليكون فرصة للتذكير بهذا التحدي الذي يعيق الجهود العربية نحو التقدم والتنمية ، كما يسلط الضوء على أهمية توحيد الجهود العربية بهدف القضاء على الامية والدعوة الى بذل المزيد من العمل الدؤوب وتضافر كافة الجهود الوطنية والاقليمية والدولية وابتكار اساليب غير تقليدية قادرة على المواجهة الشاملة للامية .
انه ورغم ما وصلت اليه كافة المعالجات لدرء هذه المشكلة والقضاء على الامية الا انها مازالت تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه الوطن العربي ، ولا يمثل التحدي العمل على محو "الامية الابجدية" والإلمام بمبادئ "القراءة والكتابة" فقط، ولكن يتضمن هذا التحدي العمل على محو الامية "الرقمية والثقافية" بالبعد الحضاري ، وصولا إلى مجتمع المعرفة ، ليكون المواطن مدركا لحقوقه وواجباته ولما يدور من حوله في هذا العالم الواسع الرحب ، ليسهم بفاعلية في كل اوجه النشاط الحياتي مسلحا بالعلم والمعرفة ، لكن الظروف السياسية التي تمر بها بعض البلدان العربية من نزاعات وصراعات ، بالإضافة الى بعض الموروثات الاجتماعية والثقافية مثل الزواج المبكر والتفكك الاسري والوضع الاقتصادي المحلي وعمل الاطفال والفقر والبطالة وظروف العيش وغيرها، جعلت نسبة الامية في الوطن العربي مرشحة للزيادة .
في الاردن ، درجنا على الاحتفال باليوم العربي لمحو الأمية ، ايمانا بالدور الذي يلعبه التعليم في التنمية والتطور والنهوض بالقدرات البشرية ، وللقناعة بان ذلك فرصة لقراءة الماضي وتطوير الرؤي والأفكار المستقبلية ، ومقابلة تحديات العالم الرقمي المتطور ، واعترافاً بأهمية التعليم وما تسببه من عقبات أمام تحقيق برامج التنمية المستدامة ، حيث أدركت الحكومة ومنذ عقود خلت ، خطورة مشكلة الأمية ، ذلك بمواكبة المستجدات في مجال الأمية واستراتيجيات مواجهتها ، من أهداف وخطط ووسائل وبرامج ومشاريع ، وترجمة لهذه الأهداف والخطط التي تم رسمها ، الى جانب تحفيز البرامج الناجحة في مجال محو الامية ، لمعالجة هذا الملف الإنساني والمجتمعي وصولا إلى هذا الهدف الوطني النبيل .
انه وتكثيفاً للجهود الرامية لشمول كافة فئات المجتمع بالخدمات التعليمية التزمت الحكومة ومن خلال وزارة التربية والتعليم بتوصيات العقد العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار( ٢٠١٥- ٢٠٢٤ ) بجميع صورها (الأبجديّة، والرقميّة، والثقافيّة) والذي عُدّ عقدًا للقضاء على الأمّيّة في جميع أنحاء الوطن العربيّ في الفئة العمرية ( خمسة عشر حتى أربعة وأربعين سنة )في هذا العام (٢٠٢٤)، ضمن إطار مرجعيّ تعتمده ، فضمن هذا التوجه وضعت الحكومة من خلال وزارة التربية والتعليم الاستراتيجية الهادفة إلى تحقيق ما ورد من خلال الخطط الإجرائية بعيدة المدى التي تم نفيذتها ، ذلك بفتح مراكز لتعليم الكبار ومحو الأمية في مختلف أرجاء المملكة ، لتوفير الفرص التعليمية للمواطنين الذين حالت ظروفهم دون مواصلة تعلمهم وهم في سن التعليم المدرسي ، والذين أصبحوا يشكلون عائقا أمام برامج التنمية رغم رغبتهم بمواصلة التعلم ، حيث يتم تقديم كل مستلزمات الدراسة للدارسين مجاناً ، ذلك تأكيداً على أهمية تحقيق مبدأ التعليم للجميع .
ضمن هذا السياق ، وتكثيفاً للجهود الرامية لشمول كافة فئات المجتمع الأردني بالخدمات التعليمية يتم توجيه الدعوة باستمرار إلى كل من تخلف عن الالتحاق بالمدرسة بسبب ظروفه الاجتماعية أو الاقتصادية أن يلتحق بالبرامج المختلفة التي تقدمها الدولة في مجال التعليم غير النظامي كل حسب البرنامج المناسب له ، فمن لم يسعفه الحظ بالالتحاق بالمدرسة يمكنه الالتحاق بمراكز تعليم الكبار ومحو الأمية ، أما الطلبة الذين تركوا المدرسة لأسباب متعددة خارجة عن إرادتهم يمكنهم الالتحاق بمراكز تعزيز الثقافة للمتسربين أو إكمال دراستهم عن طريق برنامج الدراسات المنزلية ، وكذلك برنامج الدراسات المسائية ، كما لا بد لنا من تثمين الجهود المتعلقة بالتصدي لظاهرة عمل الأطفال باعتبار هذه الظاهرة سبباً رئيساً لتسرب الأطفال من المدارس ، حيث تقوم الوزارة بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات المحلية والدولية للحد منها من خلال مواصلة برنامج التعليم الإستدراكي للفئة العمرية (٩ – ١٢) من الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس .
وختاما فإن محو الأمية منهاج متكامل ، ومشروع نهوض شامل ، يعتمد على التعاون والتفاعل بين مؤسسات المجتمع كافة ، للمشاركة في تحسين أداء برامج تعليم الكبار ، ومن هذا المنطلق يتم تقديم الدعم العلمي للدارسين ، وهنا لا بد من تثمين الدور الكبير الذي تقوم الدولة الاردنية والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في دعم برامج محو الأمية وتعليم الكبار، باعتبار التربية مسؤولية مجتمعية .
والله ولي التوفيق.