يشكل استقواء البعض بمؤسسات الدولة سواء كونها مؤسسات أو أشخاص عاملين بها ظاهرة غير مقبوله ، من ناحية تجيير تلك المؤسسات لصالحهم ومصالحهم، وتحصيلهم حقوقا غير مشروعة، أو من خلال التلويح والتلميح بها كفزاعة لتخويف الآخرين؛ إضافة لما تشكل هذه الظاهرة من تعدي على الحقوق، وما يتبع ذلك من إخلال وفساد في الجهاز الإداري الحكومي، إلى زعزعة الثقة بتلك المؤسسات الوطنية، وغياب للانتماء الوطني.
يشكل الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة أهم مؤسستين يستقوي بهما البعض، فالديوان الملكي هو بيت الأردنيين جميعا، وأبوابه مفتوحة ومشرعة للجميع، ويستقبل سنويا الألآف من الأردنيين من شتى الأصول والمنابت، ومن مختلف بقاع الأردن ليوصلوا مطالبهم وهمومهم وقضاياهم العامة، ويرأس الديوان الملكي شخصية وطنية محترمة، لطالما آمن ونفذ رؤى جلالة الملك بكل تفاصيلها، وقام بمساندة الحكومة في تنفيذ الألآف من المشاريع التنموية لكافة الأردنيين أيا كانت مواقعهم، وتمثل شخصية رئيس الديوان الشخصية المتزنة الرصينة التي تعي الدور المنوط بها، تلك الدور الذي قام به لسنوات عديدة بعيدا عن أي شبهة، وكان بحجم ثقة جلالة الملك، ومن حسن حظي أني قابلته عدة مرات، و لمست أنه ينأى بنفسه عن التدخل في الأمور الخاصة والشخصية التي من الممكن أن تذهب حقا و تعطي باطلا .
أمّا دائرة المخابرات العامة، فهي مؤسسة وطنية بامتياز، يرأسها شخصية يُشهد لها بالنزاهة والاستقامة، والبعد عن الأضواء، وترك أعماله تتحدث عنه وعن إنجازاته، وعن مسيرة الدائرة في حفظ الأمن الوطني أولا وأخيرا، ولعل في صدق كلماته على الموقع الإلكتروني للدائرة يظهر بوضوح سياسة الدائرة ورسالتها وأهدافها ، وأنها تقف على ذات المسافة من الأردنيين الصادقين المنتمين لوطنهم وقيادته، وأنّ معايير التفاضل والتمايز بينهم هي الإنتاجية والكفاءة والمواطنة الصالحة والانتماء قبلهم لثرى وطننا العزيز، وما وجدت المؤسسات الوطنية إلا لتكون للأردنيين جميعا ضمن ثوابت الدستور والتشريعات المبثقة عنه .
تبدو هذه الظاهرة بسلوكيات فردية غير مسؤولة من قبل البعض، فنلحظ ادعاءً أنّ فلان أو علان محسوب أو مدعوم من أحد المؤسستين أو كليهما، وحقيقة الأمر أنّ كلاهما بريئا من تلك الإدعاءات، وأن كان هنالك مساعدة أو دعم فهو شخصي وفردي ولا يمثل أبدا سياسة أياً منهما، وبالتاكيد لم أسمع يوما أدعاء أحد بالدعم من قبل مديري تلك المؤسستين، بل الادعاء بالدعم من المؤسسة أو من بعض أشخاص ممن يعملون بهما، وإذ كانت تلك المؤسستين تتمتعان بالثبات والقوة في سياستهما، وتحظيان بالنسبة الأكبر من تلك الادعاءات، فإنّه وبنسبة أقل هنالك استقواء ومحسوبية ببعض الشخصيات مثل رؤساء حكومات سابقين، أو شخصيات نافذة، ولعل أطرف ما قرأت هذا الأسبوع على مواقع التواصل أنّ شخصية سياسية نافذة عينت في وظائف الدولة الإشرافية أو القيادية أكثر من رئيس الحكومة، وقد يكون ادعاءً ومبالغة، وإن صّح ذلك؛ فهذا لا شك يوجد ولاءات وتبعية لأشخاص دون الوطن، وعادة ما يلجا المتوسطون للمتوسط عنده إلى أساليب احتيالية وإقناعية مثل ادعائهم بالمظلومية في مكان ما، وإقناعهم بالتوسط أو التوصية عليه.
قبل فترة تلقيت اتصالا من شخص يعمل في مكتب أحد الأمراء، وكان اتصالا يسأل فيه عن رقم تلفون مسؤول قريب لي ليستفسر عن قضية معينه، وكم أسعدني حرصه أنه يتصل ويسأل بصفة شخصية، وأنه لا يريد التوسط بل الاستفسار فقط، وأنّ لا علاقة للأمير ومكتبه بالأمر ، ولو علم مكتب الأمير أنه يستغل وظيفته لمواضيع خاصة لانهوا عمله، تلك هي أخلاق الهاشميين ومن سار على دربهم أمثال معالي رئيس الديوان الملكي العامر، ومعالي مدير المخابرات العامة.
إنّ الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة مؤسستان وطنيتان رائدتان ومتميزتان في تنفيذ رؤى جلالته بحذافيرها، تلك الرؤى التي هي محل ثقة واعتزاز الأردنيين جميعا، وهي تلك الرؤى التي تحمل معاني التفاؤل والأمل والطمانينة لأبناء شعبنا ، ويدرك الجميع أنّ تنفيذ تلك الرؤى كما يراها جلالته لهي الكفيلة بالنهوض بوطننا لمصاف الأوطان العظيمة ، فجلالته تحدث مرارا وتكرارا بدءاً من ورقته النقاشية السادسة وحتى اللحظة عن خطر ظاهرة الواسطة والمحسوبية والشللية، وضرورة محاربتهم وانعكاساتهم السلبية على مجمل الأنتاج الوطني، فكان أنّ تلك المؤسستين من رواد المؤسسات الوطنية اللتان التقطت تلك التوجيهات في محاربة الواسطة والمحسوبية والشللية، ولعل من المناسب في هذا المجال، ولمعالجة تلك الظاهرة وعدم تناميها ملاحقة ومتابعة كل من يدعي أو يلمح بدعم الديوان أو المخابرات له، فهذا استقواء مزعوم وغير مقبول سواء في التشريعات الأردنية أو من تلك المؤسستين، ويلقي بظلاله على مجالات كثيرة ، ولعل دراسات استطلاعية تجرى مع المسؤولين ستكشف لنا مدى تعرضهم للواسطة يوميا من خلال عشرات الاتصالات الهاتفية بغض النظر عن قبولهم لها أو عدم قبولهم لها.