كيف يرعب الدحدوح الاحتلال!
د. ربا زيدان
07-01-2024 04:37 PM
يغيظ وائل الدحدوح وحده اسرائيل بجيوشها وعتادها وأسلحتها، هذا الصحفي المارد الذي يظل واقفا رغم الألم ورغم الفقد ورغم اغتيال أحلامه ، تلك التي تمشي على الأرض. فعلت اسرائيل كل ما في وسعها لاسكاته لكنها لم تنجح .
كيف تشحذ دولة بكاملها عتادها لاغتيال عائلة صحفيّ ، رجل، غير مسلح لا يملك الا كلمته وكاميرته يرسل للعالم عبرها صور أشلاء جيرانه وأبنائه، وخراب أحيائهم وحرق أرضهم. مشاهد لا تريد اسرائيل للعالم أن يراها، ليس بالأمس، ليس اليوم، ليس غدا.
أمر ليس بجديد لا على اسرائيل ولا على الفلسطينيين الذين يظهرون كل يوم كم هم جنس مختلف، لا يمكن أن يكونوا من مصاف البشر، هؤلاء الغزيون فقدوا كل شيء الإ عزة أنفسهم. فقدوا أطرافهم، أطفالهم ، أعضائهم، بيوتهم، أحلامهم، جوعوا وحرموا من الماء ومن الأمن، وتم التآمر عليهم من قبل العالم بأسره لكنهم لم يركعوا.
في عالم منافق وجبان، ومزدوج المعايير، يقف وائل الدحدوح ماردا، صامدا، مستمرًا في توثيق الواقع وكشف معاناة الغزّيين . يتصدى لآلة الحرب والدمار بايمانه وجبروته قاهرا بعنفوانه وكرامته رغم الجرح، ورغم الألم، جنرالات الدم والترهيب وجيوش المطبعين.
يفضح الدحدوح وغيره من الفلسطينين معايير "الأخلاق" لدى جيش المرتزقة والمستعمرين، الذين يطلونا علينا عبر الشاشات كل دقيقة، متحدثين عن العدالة السماوية وحقهم في الوجود، مستذكرين تعاليم دينهم التي لا ترى في غير المنتسبين له إلا أدوات لخدمة شعائر الذبح والتهجير والتنكيل والتعذيب والتهويد لأرض خلقت للزيتون والبرتقال وولادة الأنبياء ، أرض ما فتئت تنتج عمالقة مثل وائل وزملاءه ممن قضوا أو على الدرب.
يقف وائل الدحدوح هناك، في الأرض المقدسة، التي يقتتل عليها الجميع، رافعا راية النضال من أجل حقوق البشر الذين هم نحن، من أجل أحلام أبناءهم ، وتاريخ الجدود، محاربا من الميدان راسما بأسلوبه الخاص وصوته الواثق مأساة فلسطين ، مأساتنا جميعا، بشجاعة قلّ مثيلها وإصرار يكاد ألا يكون بشريا. يرسم بجوارحه كلها قصة غير اعتيادة عن الصحافة المهنية حين يكون وقودها الألم والفقد.
آمنة وشام وآدم، واليوم حمزة، يتحامل الدحدوح على قلبه مجففا دموعا نزفتها عيوننا، وململما جراحا أثخنت قلوبنا ليستكمل رواية الحكاية.
حكاية وطن، استولت عليه عصابة على مرأى من الجميع، وبموافقة العالم "الأكثر تحضرا" وتحت حماية اللصوص الآخرين، لصوص بملامح تشبهنا تارة، ولا تشبهنا تارة أخرى، وقلوب لا ترى إلا ثأرها من حضارة أثرت يوما العالم، أو حقدا على "البلاد" التي أنجبت من يوم وجدت أرتالا من الأبطال يشبهون الدحدوح، مقاومون بأسماء مختلفة وأقدار متشابكة ومصائر مترابطة.