مسيرة الأكفان .. تقويض ممنهج وسلوك مدان
د.طلال طلب الشرفات
06-01-2024 08:58 PM
لسنا في قندهار، ولا في قمّ، أو مدن الأستقواء على الدول والعروبة، نحن في عمان عاصمة العروبة ومدينة المواقف الشريفة بعيداً عن الاستقواء، أو ابتزاز المشاعر الوطنية المتخمة بمشاعر التأييد للشعب الفلسطيني، والمترعة بكل مظاهر الغضب والإدانة للغطرسة الصهيونية، وحرب الإبادة والتهجير التي تمارس ضد شعب اعزل صابر مرابط من أجل تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
لماذا تحرص بعض القوى وحلفائها على توسيع الهوّة بينها وبين القوى الوطنية الحريصة على إسناد الأشقاء، ولماذا علينا أن نشعر أن ثمة أولويات لدى الغير تتجاوز الأولويات الوطنية وتتجاوزها بقصد؛ لأسباب تنظيمية وحزبية بعيداً عن المواقف المتقدمة للدولة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك؟ لماذا علينا أن نتخوف من عسكرة المواقف الحزبية، واستدعاء مخاوف قديمة لا نرغب بها؟.
يبدو أن مساحات التعبير أُخذت على غير هديها، ومظاهر التوحد الوطني تجاه معاناة الأهل في غزة والضفة الغربية يجري تقويضها أو توظيفها لغايات انتخابية لا تليق في هذا المقام.
لم أفهم الرسالة التي يمكن توجيهها من مسيرة الأكفان سوى أمتزاج مقيت بين المراهقة التنظيمية والاستقواء التدريجي على سيادة القانون، وحُلم المؤسسات المنوط بها حماية سيادة الدولة وهيبتها وحرية التعبير في آنٍ معاً.
لا نقبل عسكرة المسيرات، ومحاكاة ميليشيات التيه، والتشبه بتنظيمات الاستعراض وعصابات " الكيف" التي أنهكت دولها دون أن تنصر الشعب الفلسطيني إلا بدمى فارغة وفقاعات صوت.
لا نقبل أن نشهد تلك الصورة المدانة التي جرت الجمعة في عمان؛ مدينة النصرة والموقف الحقيقي الملتزم بعيداً عن كل مظاهر الحقد، والابتزاز للدولة ومؤسساتها، ولعل الدولة مطالبة دون إبطاء بلجم هذه المظاهر المدانة التي تعمل على تقويض حكم القانون ودور المؤسسات.
لن أعلّق على الهتاف لأشخاص من خارج الوطن إلا بعد انتهاء الحرب أحتراماً للدم الفلسطيني الزكي، ولكن بات واجباً القول أن العسكرة التدريجية للمسيرات سيكرر تجارب حزبية ونقابية سابقة، استقوت على الدولة فوجدت تجربتها اليافعة في غياهب الضياع، وتمنت حينها لو أنها بقيت على ما هي عليه، أقول بات واجباً على القوى المنظّمة لتلك المظاهر المنفلتة من عقال الالتزام الوطني أن تتقي الله في أنفسها دون الدولة؛ لأن الأخيرة قوية وهيبتها مصانة.