مستشارية العشائر .. هل من دور جديد؟
فايز الماضي
06-01-2024 12:18 PM
في الحديث عن مستشارية العشائر علينا أن نتوقف كثيراً. عند نشأتها وغايتها ومعنى أن تُحتضن بكل هذا الدفء ضمن الهيكلة الإدارية الرئيسة ...وربما الأقرب والأهم لصانع القرار في الديوان الملكي الهاشمي العامر.. وقد لاتعرف أجيالاً من شبابنا اليوم سيرة هذه المستشارية وسر حضورها ورمزيتها على امتداد مراحل عمر دولتنا الفتية.. ولاشك بأن هذا التماهي وهذا الاقتراب الاستثنائي ما بين هذه الدائرة ومؤسسة العرش على مدى عقود من الزمن له مدلولاته ومغازيه .
ولايخفى على أحدٍ كان من كان ان القبائل والعشائر والأُسر والعائلات الكريمة من شتى اصولها ومنابتها شكلت بمجموعها اسرة اردنية واحدة.. وكانت هي اللبنة الاولى لبناء الدولة الاردنية منذ ما يزيد على مائة عام .. وعلى خلافِ ما قامت عليه دُولٌ واقطارٌ في هذا العالم الرحب من حولنا..
وعلى مدى ما يزيد على مائة عام شكٌل ابناء العشائر بمجموعهم طوقاً أميناً ومتينا ً ومُهاباً حماية لحدود دولتهم وذوداً عن حياضها وكينونتها وأحاطوا بقيادتهم الحكيمة وعرشهم الهاشمي المفدى كإحاطة السوار بالمعصم، وكانوا ولازالوا هم ذخيرة هذه الدولة وخزان جندها وجيشها وأمنها ومؤسساتها حتى اشتد عودها وتمكنت اركانها وأخذت موقعها الذي يليق على الساحتين الدولية والإقليمية.. وفوق كل ذلك فإن للهاشميين بيعةً وعهد في اعناق الاردنيين يذودون عنهما بالمهج والأرواح .
وتقديراً وتعزيزاً لدورهم المحوري والمركزي والأساسي في بناء الدولة، ولخصوصية عاداتهم وتقاليدهم وظروفهم المعيشية فقد أولت مستشارية العشائر عناية خاصة بأبناء البوادي والارياف وكانت بحق هي حلقة الوصل المُثلى ما بينهم وبين قيادتهم الحكيمة وبين سلطات الدولة المختلفة وبشكلٍ خاص فيما يتعلق بحيثيات القضاء العشائري وخطط ومشاريع التنمية التي استهدفت مناطقهم على امتداد مساحات البوادي الثلاث إبان الدور الرعوي للدولة.. وفيما مضى فقد توهم سياسيون من قصيري النظر أن مستشارية العشائر معنيةً بشؤون ابناء البوادي والارياف دون غيرهم من ابناء مجتمعنا النبيل، وأنها قد تزاحم البعض في مواقع المسؤولية والمكتسبات، وبذريعة ذلك فقد حارب البعض من دعاة المدنية الحديثة المستشارية وسعوا لتفريغها من مضمونها وتقزيم دورها واستهدفوا بنيوية العشيرة وأقصوا زعامات وطنية وازنة وفاعلة ومؤثرة ظناً منهم بأن وجود مثل هؤلاء ربما سيعيق عجلة التنمية والمدنية في مرافق الدولة، وتعاموا عن قصد واصرار عن قراءة الحضور السياسي المبكر لهذه الزعامات وساهموا في تفريخ قيادات اجتماعية سطحية لا وزن لها على الساحة الشعبية والسياسية، الا ان رؤية قيادتنا الهاشمية الحكيمة وفروسيتها وتقدميتها واستشرافها أفشلت حلمهم وأحبطت سعيهم .
وفي ظل التحديات السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية التي نعيش ونرى، وفي ظل هذا الاضطراب غير المسبوق في الاقليم من حولنا وارتدادات ما يجري على الارض الفلسطينية والسورية والعراقية على امننا الوطني وتبعات الازمة الاوكرانية على امننا الغذائي، فقد آن الاوان أن تطلع مستشارية العشائر بدور ينسجم مع خطورة هذه المرحلة ودقتها ولا يكفي ان تقف المستشارية موقف المتفرج مما يجري في باديتنا الشمالية الشرقية، وعليها ان تجتهد لبناء خلية أزمة تجمع ما بين ما تطلع به مستشارية العشائر من مهام وبين ما هو منوط بكل وزارة او مؤسسة او جهة معنية بسلامة امننا الوطني فتضع خارطة طريق وخطة عمل محكومة بالوقت والنتائج على ان ترتكز على مايلي :
إن ما تشهده حدودنا الشمالية الشرقية من محاولات مهولة لتهريب المخدرات والاسلحة تشكل اليوم تهديداً امنياً مباشراً لمنظومة أمننا الوطني في ظل استباحة الجنوب السوري وبشكل غير مسبوق من قبل ميليشيات طائفية وشبه عسكرية ممولة ومدعومة من دول اقليمية تسعى جاهدة لزعزعة أمننا الوطني ويتطلب معالجة مثل هذا الأمر تشبيكاً استثنائياً بين كل الأطراف ذات الصلة بهذه الازمة.. يتوج بتشكيل خلية ازمة تعمل على مدار الساعة وحلولاً غير تقليدية ومن خارج الصندوق، وعلينا أن نعي بأن أمن هذا الوطن واستقراره هو أمرٌ لا يتقدم عليه أمر وأن أي تنمية مستدامة ومثمرة لا يمكن لها ان تستقيم ما لم ينعم هذا الوطن بخير وعافية .
إن علينا ان نعي بأن تنامي مسألتي الفقر والبطالة اضافة الى ضيق ذات اليد وضآلة فرص العمل والفراغ وغياب الهوية الوطنية تشكل بمجموعها بيئة حاضنةً ومرتعاً خصباً لظاهرة العنف والارهاب وستجعل من الاف الشباب صيداً ثميناً لقوى الشر حولنا، وعلينا ألا ننسى بان الالاف من المقيمين في البادية الشمالية الشرقية ومنطقتي الرويشد ومنشية الغياث وجلهم من الشباب هم الان في متناول قوىً اقليمية معادية ولا يملك اياً منهم الحد الادنى من ادوات التعريف الشخصية في الدولة، ولا اخال ان دولة مؤسسات وقانون تقف عاجزةً عن حل مثل هذه المعضلة، وأجزم بان حسم مسألة الهوية لمثل هؤلاء سيصبُ في المصلحة العليا للدولة الاردنية.
إن التفكير باطلاق مشاريع تنموية وانتاجية في مناطق البادية مدعومة من صناديق استثمارية وطنية ومن قواتنا المسلحة الاردنية او ممولة من مستثمرين بحوافز مقنعة وموضوعية بعيدة كل البعد عن الاجراءات البيروقراطية سيوفر فرص عمل مناسبة من شانها ان تستقطب الشباب وتحقق لهم الحياة الكريمة وتنتشلهم من مفسدة الفراغ والضياع واليأس وتزرع لديهم الامل في مستقبل مشرق وجميل...
لاشك ان أجهزتنا الامنية تمتلك رؤيةً متقدمةً للمعالجة الامنية لما يجري في باديتنا الشمالية الشرقية، لكن ذلك لا يكفي ابدا ولن يشكل حلا ناجعاً لتجفيف مصادر التهديد مالم يترافق مع اجتثاث الحواضن المحلية ومصادر تمويلها ومعالجةً اقتصادية واجتماعية وثقافية تربوية تساهم في ردم هوة الفقر والبطالة والفراغ.
من المهم هنا أن توفر مستشارية العشائر الغطاء لخلية ازمة تشارك فيها القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الأمنية المعنية والوزارات والمؤسسات المعنية وفي مقدمتها (وزارة الداخلية ..وزارة التخطيط ..وزارة التنمية الاجتماعية..وزارة الادارة المحلية ..وزارة الاستثمار..وزارة الاشغال العامة ...وزارة المياه ..وزارة الزراعة).. على ان يصار الى وضع خطة تنفيذية خمسينية ملزمة ومسؤولة.