عدة النصر .. الانحياز للحق (1)
د. نبيل الكوفحي
05-01-2024 02:32 PM
القران العظيم كتاب خالد تعهد الله بحفظه، نتعبد بقراءته ونحتكم الى احكامه، وهو مصدر بناء العقيدة و التشريع. تضمن القران العظيم ذكر رسالات الانبياء ودعوتهم وصبرهم، كما لخص حياة أمم سابقة وما آلت اليه.
استعرض القران الكريم بعض الاحداث الكبرى في حياة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- كغزوة بدر والاحزاب وفتح مكة وحنين وغيرها، واشارت الايات الى اسباب النصر والهزيمة.
في هذه السلسلة تحت عنوان ( عدة النصر) - التي تأتي بعد سلسلة ( دروس من أهل غزة)، وسبقتها ( ما بعد غزة)- ساجتهد في استحضار الايات المتعلقة بالنصر وربطها بالاحداث وتلخيص الدروس المستفادة منها، ربما أوفق في ترتيب عناصرها فهو من فضله سبحانه، وربما لا أوفق فحسبي اجر المجتهد المخطيء، وان كان التأمل بالايات القرانية المتعلقة بالنصر اثناء تلاوة القران يكفي العلماء والدارسين، ولغيرهم فان المكتبة الاسلامية تزخر بكثير من المؤلفات بهذا المجال.
يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). توضح الاية الكريمة وعده سبحانه للمؤمنين أنهم إذا نصروا الله سنصرهم سبحانه وتعالى، فما المقصود بنصرتنا لله؟ وبالتالي كيف ننصره؟ حتى يتحقق وعده لنا بالنصر .
حتما أن الله سبحانه ليس بحاجة لخلقه الإنس والجن جميعا، حتى نحن المسلمين منهم، بل نحن الذين نحتاجه كما قال عز وجل ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ).
ان نصرتنا لله تتمثل بالايمان بالله واتباعنا لشرعه المتمثل بالقران وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، قال تعالى ( قُل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).
ان نصرتنا للله تستوجب منا ايضا ان ننحاز للحق، فكيف نفسر قوله صلى الله عليه وسلم ( وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَ) الا انحيازا للحق، فالحق اسم لله عزوجل، وكيف نفهم حكمه لصالح لليهودي بالدرع ضد سيدنا علي رضي الله عنه، وهو صحابي وزوج ابنته فاطمه رضي الله عنه ويعلم حبيبنا ان عليا ليس بكاذب، لكن الحق ان القاضي يحكم بالبينة والدليل وليس بالعلم والمحبة والقرابة. هدا الموقف تمثل في حياة الصحابه والتابعين ايضا، فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يحكم للقبطي الضعيف على ابن والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو صحابي وفاتح لمصر. بالتأكيد كان انحيازا للحق الذي يقدم صاحبه على المسلم وان كان من غير المسلمين.
يروى انه في خلافة عمر بن عبدالعزيز قام القائد قتيبة بن مسلم الباهلي بفتح بلاد كثيرة في مشرق الارض، وفتح الله على يديه مدينة سمرقند . افتتحها بدون أن يدعوَ أهلها للإسلام أو الجزية كما هي تعاليم الاسلام، ولما علم اهل سمرقند ذلك؛ ارسلوا رسولًا للخليفة يشكون جيش المسلمين، النتيجة ان الخليفة امر ان ينصب قاضيا من بين المسلمين ليحكم بين جيش المسلمين واهل سمرقند، الذي حكم باخراج الجيش وان يمهلهم ثلاثاً كعادة المسلمين , ثم يبدأ القتال. وقال قولته الخالدة ( ال القاضي: لقد خرجنا مجاهدين في سبيل الله وما خرجنا فاتحين للأرض أشراً وبطراً) وقد تم لهم ذلك، فلما تم دخلوا في دين الله وكان نصرا مبينا.
ان مواقف المجاهدين في غزة شواهد على اخلاق المسلمين واداب الحرب في الاسلام وليس معاملة بلا اخلاق كما هو سلوك عدوهم المحتل، وليس ادل على ذلك من رعايتهم للاسرى، وكيف ودعت الاسيرات المجاهدين باحترام نال اعجاب العالم، برغم فداحة الجريمة التي يرتكبها الاحتلال بحق اهل غزة.
ان النصر لا يتنزل الا اذا قدمنا استحقاقه كل حسب موقعه، فكما يطلب من المجاهدين واهل غزة تقديم استحقاقات النصر من التقوى واعداد العدة والصبر والثبات، فاننا جميعا مطالبون بذلك، لان النصر في اي مكان يحسب لصالح الامة، والامة لا تعرف حدودا جغرافية ولا سياسية، اذ يقول تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)
كم نحتاج ان نراجع كثيرا من مواقفنا الشخصية والجماعية، ونصوب المسار لعل الله يطلع علينا بعين الرحمة، فينزل نصره علينا لاننا نصرناه حيث انه (وما النصر إلا من عند الله).
والى سبب اخر للنصر في مقال جديد ان شاء الله.