سلامة يكتب: غزة .. بعد الظلال والبريق
أحمد سلامة
04-01-2024 08:07 PM
بالاعتذار من المرحوم الاستاذ محمد حسنين هيكل.. هذا عنوان لمقالة اقامت الشرق الاوسط ولم يقعد كتبه محمد حسنين هيكل في الاهرام على حواف افتراقه عن السادات عقب الزيارة التاريخية لـ ريتشارد نيكسون، اقبح فضائح الاستيلاء اليهودي على العقل الامريكي
لمصر
سنة ١٩٧٤ بشهر مايو ايار تلك الزيارة التي خلدها الثنائي المصري المدهش الشيخ امام / و / احمد فواد نجم بقصيدة مغناة (شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترغيت) ثم كتب هيكل (الظلال والبريق) وتنبأ بسقوط نيكسون عقب زيارته الكبرى باحتفال فضائحي لمصر وسوريا
الانظمة الثورية، ولقد وقع كل ما توقعه هيكل…
لقد توقفت عن الكتابة منذ السابع من اكتوبر العام الفاضح لضعف العرب وهوانهم وكان عندي اسبابي المقنعة الخاصة بي… لكن
وفي هذا اليوم تشرفت باستقبال دافئ من انسان دافئ وصديق دائم هو الدكتور عزمي محافظة في مكتبه، ولحظة ان ودعني
سأل بأدبه الدائم، لماذا توقفت عن الكتابة؟ وأكمل: لازم تكتب.. ثمة من ينتظر رأيك في الذي يجري بوضوح
احسست بخجل داهمني لحظة ان ركبت السيارة وكأني اهرب من مسؤولية اتخاذ الموقف، وهذا ليس احد اسباب توقفي عن الكتابة لكن
قررت أن أكتب وقبل أن تقف المجزرة وساغامر بقول ما يجب قوله، لهذا توكاءت على عنوان الاستاذ الكبير هيكل (الظلال والبريق).
تحت بند البريق ثمة وميض واحد هو دم غزة، وجرأة غزة، وصمودها الخارق لنواميس الطبيعة، ولن اخوض في وهج بريق غزة كثيرا فهو معبر عن ذاته بوضوح… والمقالة الاولى سأخصصها لـ الظلال ما ظهر منها وما بطن ثم لاحقا اعود لبريق غزة…
أول الظلال الحياد المصري الايجابي الذي اضاع فرصة تاريخية على مصر لتسترد ذاتها عبر دور اهدته لها دماء غزة الزكية… لقد اصطرع على الشرق الاوسط منذ ان اخرج (السادات) مصر عن طبيعتها واختزل دورها في التبعية الامريكية من دون شروط حين اعلن ان حرب اكتوبر اخر الحروب!!
ايران كانت تتغير وخلقت لها دورها المضمخ بروائح الله سبحانه والجهاد والشيطان الاكبر وقد صمدت ونجحت، وتركيا (تورغوت اوزال) انتظرت انهيار دور العراق المثابر على القيادة بالدم وتقدمت بكل انتهازية سياسية لتحل محل عراق البعث بقيادة المذهل صدام حسين رحمه الله وقد نجحت تركيا في التمهيد لدورها عبر اسلمته وركبت الديانة بطبعتها الاسلامية السنية على عضوية حلف الناتو ومعاداة
العرب وقد حققت نجاحا ضاريا الى الحد ان ١٠٠ مقدسي من حزب ديني يرقدون في الحرم القدسي برواتب تركية ويشتمون كل من يزعج اوردوغان
صار العالم العربي وكل المسلمين اما انهم (متشيعون لـ أوردوغان) او انهم يقسمون على ولاية الفقيه!! وفي ذلك تغييب لأمة العرب
وعادت المنطقة كلها الى عصر الصراع بين اسماغيل الصفوي سنة ١٥٠٩ في مواجهة اباطرة آل عثمان الذين لم يبدأوا رحلة الزعامة بعد..
كان الظل الثالث هو فضيحة الشرق الاوسط كلها.. كيان تصهين فيه يهود، وانشأته الامبريالية البريطانية بجبروت انتصارها في الحرب العالمية الاولى، وأملته بصك ساء صيته عربيا وانسانيا صدر عن الصهيوني المتطرف في حكومة بريطانيا ارثر بلفور ونسب اليه.. هل رأيتم في التاريخ وطن وتراث وديانة تخلقها وثيقة ديبلوماسية ساذجة تخلو من أي معنى ومن أي سند قانوني ذاك هو الكيان الصهيوني، رأسماله وثيقة وكبرت الحكاية مستندة على عناصر ثلاثة، الاول فرض الغرب مشروع (الدولة الوطنية) على العرب، وهو مشروع لم يكن له اي ذكر حميد او قبيح في تاريخ العرب منذ ان اضحوا (أمة رسالة)..
كانت فكرة الدولة الوطنية في عالم العرب والاندحار لفكرة وحدة العرب بتآمر خسيس اجراه الانجليز والفرنسيين وعمقه الامريكان لاحقا
وقلبوا انطباع العرب عن انفسهم، العرب امة التوحيد والوحدوية اضحت امة التضامن عبر الجامعة العربية !!
كانت فكرة الدولة الوطنية قد افسحت المجال للكيان الذي اصطنعته وثيقة ليكون عضوا في عالم الشرق الاوسط الذي اضحى التسمية الامريكية المستحبة كاستبدال مقصود يضم دول العرب وتركيا وايران واسرائيل.
الثاني: اصطناع قانون لأهل فلسطين يقوم على محاور اربعة، الاضهاد ووصمهم بالارهاب واجراء مذبحة متصلة بمبررات مختلفة والتهجير بالتدمير.
لقد اجهز اليهود الصهاينة في المجزرة الاولى عام ١٩٤٨ على ٥٠٠ قرية فلسطينية وسرقة المدن الرئيسة في فلسطين.
الثالث: وجاءت المرحلة الثالثة التي اضحت فيها اسرائيل دولة ذات طنين ورنين ذات سمعة عالمية في عالم الاستخبارات اضحت هي الاولى
والجيش الاول الذي لا ينازع في الشرق الاوسط ومن ثم الالكترونيات والتكنولوجيا وكل الاشياء المجنونة.. واضحى اقتصادها مثلا أعلى
وبقي لديها مهمة انجاز يهودية الدولة وقيادة المعاهدات الابراهيمية لحماية العرب، خاصة الاثرياء منهم من جبروت الجار المذهبي ايران
وبلع الطعم كل ابناء المنطقة…
وعلى نحو مفاجئ، ينهض الغضب الفلسطيني مرتديا عباءة التدين والاسلمة في اذار اسمه حماس، وهل يعاب الفلسطينيون في ذلك
بعد ان فعلت ايران وتركيا وكذلك اسرائيل المتدينة بجنون…
ان سموتريتش، وبن غفير ونتنياهو هم اقبح صورة في تطويع الدين والميثلوجيا الدينية لتحقيق ابشع انواع الاستعمار الكولينيالي الاستيطاني والذي نهض على قانون (ارخميدس في الازاحة)
لقد كان اخر من (تدينت فلسفته الحياتية) في المنطقة هم الفلسطينيون، واعتقد ان ذلك لن يكتبه التاريخ المنصف للبشرية الا بأحرف من موضوعية.. انا شخصيا ضد أي تدين في السياسة لكن تدين سياسة الفلسطينين كانت اخر حلقة في اضطهادهم دينيا…
كان اخطر ظل في السابع من اكتوبر الفاضح أنه أخرج الكيان اليهودي من حلبة الصراع على قيادة المنطقة.. ولغباء الساسة الصهاينة
ولانهم الحوا على فكرة اضطهاد الفلسطيني دينيا باستباحة المسجد الاقصى والتشبث بعادة اليهود التاريخية (البصق في وجوه رجال الدين المسيحي) وحصار غزة كأنه (شعب ابي طالب) وحرمانه من اي شيء إلا بإذن منهم، وتمادي نتنياهو بأن يقف أمام الأمم المتحدة
ليشغل العالم كله في خطابه بآخر جمعية عامة (عن معنى اسمه في التاريخ التوراتي)، تخيل كل البشرية مضطرة ان تسمع لمجنون متصهين متدين ماذا يعني بنجامين وماذا يعني نتنياهو؟!
لقد لاذت غزة (بمقدسها) هي الأخرى وكانت آخر الواصلين في المنطقة، لذلك ومن يعرف حقائق التاريخ يدرك أنه لا المسيحية الصليبية الاوروبية ولا اللادينية (التتارية المغولية، ولا اليهودية التي عاشت دوما على الضفاف المسيحية مرة والاسلامية الاندلسية مرة اخرى حين تتصارع المقدسات، فليس هناك من امل لمقدس اليهود بالصمود في وجه نداء (الله أكبر).
لقد كانت (غزة / الظل العالي) التي في صمودها بأول مجزرة في التاريخ تقع تحت اضواء الكاميرات والذبح تتأكد أدواته الماكرة المجردة من الانسانية، تقطيع اشلاء الطفل الى اجزاء متقنة التقطيع كي لا يستطيع اعادة الكرة حين يكبر
صمود غزة غير المتذمر اخرج المشروع الصهيوني من معادلة الشرق الاوسط كقوة فاعلة مهما الحت على تنفيذ تقتيلها لرجالات التنظيم الاسلامي (حماس) خارج فلسطين من المرحوم صالح العاروري حتى مهما بلغ تورم احقادهم في القتل
لن يعيد مزاعم اليمين الاسرائيلي عن نفسه، لقد فضحت غزة بصمودها الباذخ الكيان الذي انشئ بصك فقد عرته ايران بتحالفاتها واضحت اهلا للثقة الامريكية واقل كلفة وكذلك فإن اوردوغان تمكن هو الاخر ان يطلق اسرائيل بالثلاثة ويهيل التراب على جثة نتنياهو
ولو لم تقف امريكا بكل صهاينة ادارتها وقوف الحامي والمساند والداعم لاسرائيل لكان قولي في هذا لمقال شيء اخر والمصيبة
ان ممثلي هذا للمشروع (الردي) ما زالوا يظهرون مكابرة مخزية ويكابرون بصورة كأن شيئ لم يكن
لقد ادت معركة غزة الى ظلال غير محمودة لنا كعرب وباهظة التكاليف للصهاينة
ازعم ان من خسر في غزة (المواجهة الدينية) النظام العربي اولا واسرائيل ثانيا، لو كان قد توفر الحد الادنى حتى إلى درجة التضامن
للعرب لادخلت معركة غزة العرب من اوسع ابوابها بديلا في قيادة الشرق الاوسط بعد أن طويت اكاذيب واوهام المشروع الصهيوني
كخرقة سجاد متداعية
لم يتمكن العرب من بلورة مبادرة نظرية للتدخل.. إن وضع العرب يشبه الى حد كبير الفضيحة لقد اثبتت غزة ان مصر قد دوختها الدنيا والحاجة الاقتصلدية والجيران العبء، فالسودان مذبحة صامتة بين الجيش وبين الجنجويد وتلك اول الفضائح التي تشل مصر، وليبيا
ما بين حفتر واتباع تركيا لم تعثر على معادلة اعتراف باعادة (سيف الاسلام) لتكفر عن اثمها وتلك ايضا فضيحة توجع مصر وتجعلها تحسب الف حساب، واثيوبيا مستقوية باستثمارات بعض الاشقاء وتلك مصيبة فوق الفضيحة وغير مفهومة دوافعها.
اما الاثرياء العرب فقد شغلوا في البحث عن ديانة جديدة لم تجيزها شريعة الله ولم يسمع بها عربي قبلهم وبدا ذلك غريبا على جزء الأمة الذي يمتلك شرعية المسجدين والرفاة النبوي وموقع النص المقدس وفي ذلك حيرة كيف لأمة تمتلك عقيدة محمد صلوات الله عليه ان تذهب بالبحث عميقا عن ديانة اخرى تتبع؟!
لا الاثرياء بقادرين تمرير الديانة الجديدة دون (تشريع واجازة من الازهر) ولا الطرف الاخر في الديانة الجديدة (اسرائيل) بقادر ان يستمر في اكاذيب السمن والبصل (انتهى درس الاكاذيب الصهيوني والغبي وحده من يتاجر به)…
إذن ما الذي بقي من ظل غزة !؟
ليس الذي سأقوله ترويجا لنظام سياسي بدا وكأن كله حكمة
لا بد من دعاة الديانة الجديدة ان يعتذروا لانفسهم فقد انتهت الخرافة وأن يقروا ان الثراء وحده لا يصنع قيادة لأمة ومن دون مصر
لا وزن ولا ثقل لعربي (حوثيا او حزب الله او حماس كان) او لاثرياء العرب..
ثمة في المنتصف حكمة اردنية هاشمية سعت الى اللملمة، العراق مصر الاردن، وهذا عين العقل والصواب.
آخر الظل هو ان يتلاقى عرب الثراء على اسناد مصر والاستفادة من الخبرة الاردنية التي وقفت دونما تحفظ وراء الزعامة المصرية.. لا بد من ايجاد صيغة بديلة لتلاقي الديانات بتلاقي الكيانات
حماس قاتلت لكنها تحتاج إلى وصاية ورعاية وفي ذلك حق في الاعناق لاناس ذبحوا على مدار الثلاثة اشهر دون دعم بنقطة دم، والحالة الفلسطينية بحاجة إلى إسناد القاهرة، والقاهرة تحتاج الى البحث عن طريق جديدة ليكون الدين واحد وان تعددت الكيانات
ظل غزة لو يستفيد العرب منه يدخلهم الى عالم جديد عالم يخلص المنطقة من شرور واثام واكاذيب اليمين الصهيوني، وبانتظار الزوال لاكذب انسان في تاريخ البشرية نتنياهو، فإن اسرائيل عليها ان تخلي المنطقة من أكاذيبها، لا هي دولة عظمى ولا تعرف التخطيط،
ايران تحت حصار وخاضت حربا رهيبة مع العراق والفقر يهلكها ومع ذلك قعدت للمشروع الصهيوني ولاعبته على (ود الصانع)..
"خلها تضبضب حالها وتنخم وتبطل افلام وتختار قيادة على قدها وتقعد وتصفن حتى تتمكن من الاستمرار في العيش، وعلى العرب اجراء مراجعة مماثلة"
ساتحدث فيما بعد عن البريق الغزاوي..