مطلع ديسمبر الماضي بثت هيئة البث العام الإسرائيلية ما تناقلته غالبية الوكالات والصحف تسجيلا بصوت رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي ( شاباك) رونين بار، وفي التسجيل يتحدث المسؤول المخابراتي الأول في إسرائيل بوضوح عن تفعيل "سياسة الاغتيالات" والملاحقة في كل مكان، في تفعيل مباشر لبروتوكول "ميونيخ" الذي نفذته الأجهزة السرية الإسرائيلية وعبر قوات خاصة لها في العالم "كان يقودها إيهود باراك في تلك الفترة" وقامت فيها بتصفية قيادات فلسطينية كان لها علاقة مباشرة بعملية أولمبياد ميونيخ عام 1972.

رونين بار توعد حركة حماس بالملاحقة في "كل مكان" حسب قوله، والقضاء على قياداتها حتى لو استغرق الأمر سنوات، حسب التسجيل بصوته.

لم يخف رونين بار ما يراه بالتغطية الشرعية لتلك الممارسة التي تنتهك بالضرورة سيادات دول العالم، بقوله في ذات التسجيل إن "مجلس الوزراء هو الذي حدد هذا الهدف، وهو القضاء على حماس" وأضاف "هذه ميونيخ الخاصة بنا" وحدد بنص كلامه أنهم سيفعلون ذلك في كل مكان، في غزة وفي الضفة الغربية وفي لبنان وفي تركيا وفي قطر".

وفي حديثه قال أيضا".. نحن نستخلص العبر من الأحداث وننقلها لجبهات أخرى، ليس فقط إلى قطاع غزة".

كانت عملية ميونيخ عملية نوعية غير مسبوقة ومؤذية لإسرائيل وقد جرت فيها تصفية كافة الفريق الأولمبي الإسرائيلي المحتجز لدى منفذي العملية التي صدمت العالم، واستهدفت فريقا رياضيا إسرائيليا في فعاليات الأولمبياد واحتجازهم في القرية الأولمبية ثم تم قتلهم جميعا، كان الرد الإسرائيلي عليها بقطع رأس الأفعى، كما تورد الوثائق الإسرائيلية، بعد ان وصلوا إلى قناعة بأن تصفية كل الجماعة مستحيلة، فإن الهدف بتصفية كافة قياداتها مما يشتت الحركة وهذا فعلا ما حصل.

اللافت حينها أن العمليات كانت سرية جدا، ولم تتحمل إسرائيل مسؤوليتها، وغولدا مائير لم تعلن عن مباركة علنية لتلك الممارسات التي انتهكت سيادات دول عديدة في العالم، غير استباحة لبنان المعتادة.

هذه المرة، لا تتردد الحكومة الإسرائيلية ببث مباركتها للتصفيات بل والإعلان عن انتهاك مسبق لسيادات الدول منها ما قامت بتسميته "وهو إعلان حرب فعلي" ومنها لم تسمه لكنها ستكون مسؤولة عنه.

نقل الأزمة لجبهات أخرى، هذه تحديدا سياسة نتنياهو بترحيل أزماته، خصوصا ان الاغتيال تم في لحظة حرجة يضيق فيها الخناق دوليا ومحليا على رقبة حكومة نتنياهو وعليه شخصيا، كان لا بد من استعراض بطولي واهم من هذا النوع ليخرج الرجل أمام الرأي العام لديه بصورة مختلفة ولو قليلا.

(ومن الضروري اليوم أن نذكر بمحاولة اغتيال القيادي الحمساوي خالد مشعل عام 1995 في عمان وقد أنقذت الدولة الأردنية حياته وأجبرت حكومة نتنياهو على الإفراج عن مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله).

من هنا، ليس مفاجئا كثيرا الآن اغتيال القائد في حركة حماس صالح العاروري وقيادات أخرى معه في بيروت، لهدف ترحيل الأزمة عبر توسيعها إقليميا، وربما عالميا.
هناك دول معلن عنها في القائمة التي تحدث عنها رئيس شاباك..

وهناك تطور نوعي في تلك الحرب وتمدد أفقي وعمودي سيشمل ردود فعل توسع امتداداتها خطير ومجهول.

هو إرهاب نوعي جديد بأسلحة نوعية جديدة، والمساءلة الدولية صارت واجبة بل حيوية لأمن العالم كله هذه المرة، وأول خطوة في سبيل تعميل صاعق الانفجار الوشيك هو وقف إطلاق النار.. ولو بالقوة الدولية، لأن لا أحد "ولا عاصمة" آمنة بعد ذلك الجنون إن تم إفلاته.

الغد