وتبقى غزة بارقة الأمل التي تنير درب أبناء الوطن العربي والإسلامي، فالبرغم من الدمار الهائل الذي تشهده بشكل متواصل، لم يترك الاحتلال الإسرائيلي شيئاً إلا ودمرته وحولته إلى ركام وردم ولم يعد لأهل غزة مكان آمن يأوون إليه إلا وتم استهدافه، فالمكان الآمن الذي تزعم القوات الإسرائيلية هو بعينه مكان يهدد حياة الإنسان الغزي المقيم أو النازح، حيث ما يلبث أن يتعرض للقصف وإطلاق نار يسفر عنه في أحيان كثيرة شهداء ومصابين، الحيرة والخوف هما سيدا الموقف في قطاع غزة.
ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي الهمجي على القطاع، تتجلى مواقف تكتب بماء الذهب في صفحات التاريخ البشري، والتي ستقرؤها الأجيال القادمة مستلهمة منها القوة والصلابة والإرادة التي لا تلين. ليس بيد الغزيين سوى الصبر ومحاولة التأقلم مع الأوضاع الصعبة والقاسية التي يعيشونها تحت نيران القصف المدفعي والمروحي ليل نهار، فالحديث عن الهدنة صار حلماً يتبدد مع اشتداد حدة المعارك بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية التي تخوض قتالاً ضارياً وشرساً ضد الاعتداءات الوحشية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على السكان الآمنين، لصده ومنعه من التمادي وقتل الأبرياء من المدنيين وسحق ممتلكاتهم وتدمير العمران من مؤسسات ومدارس وجامعات وبنى تحتية بالكامل والتي لم يعد لها أثر.
يكابد الغزيون ظروف الحياة المأساوية التي فرضتها دولة الاحتلال الصهيوني، ويظهر جلياً قصص الإيثار والتضحية التي يقدمها أبناء القطاع للبقاء على الحياة وإفشال خطط التهجير القسري أو الطوعي التي تخطط لها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، قصص توضح مدى ارتباط وتجذر الغزيون في أرضهم ورفضهم الخروج من أراضيهم وبيوتهم، وحبهم للحياة بكرامه، والاعتصام بالله والتشبث بالصبر والأمل ليكونوا مثالاً تقتدي به الأحفاد في المستقبل ،وما يثير الإعجاب والاندهاش هو قوة عزيمة وإرادة أهل فلسطين لنيل حريتهم وطرد المحتل والعيش بسلام على أرضهم ومقدساتها.
ما نجم من اغتيال القائد القسامي صالح العاروري وبعض من رفاقه في لبنان، يلقي بظلاله على المشهد الملتهب عسكرياً وسياسياً تواجهه غزة وفلسطين بشكل عام، ويعطي رسالة مفادها أن قوافل الشهداء لن تتوقف على مسيرة تحرير الأراضي الفلسطينية، وأن سقوط الشهداء لن يفت في عضد الحركة الوطنية الفلسطينية التحررية، بل تزيدها قوة وتصميماً على إنهاء الاحتلال ونيل حقوقه المشروعة كاملة.