بات البلد غارقاً في ما فعله البعض ، وهؤلاء طبقة جديدة ، تضم سياسيين ورجال اعمال وموظفين ، يحكمون ويصولون ويجولون ، ولااحد يسألهم عما يفعلون.
الفساد في الاردن مبني للمجهول ، والذي تتحدث اليه عن ثراء الفاسدين ، يقول لك نريد الدليل على فساد هذه الشخصية او تلك ، هذا على الرغم من ان الفساد واضح كالشمس ، لان من كان يقترض عشرة دنانير فوق راتبه ، بات يغرق في الملايين ، دون تفسير او تبرير.
الملك يذهب الى مكافحة الفساد ، ويقول ان لا احد فوق القانون ، وان لاخطوط حمراء ، وان كل المؤسسات خاضعة للمحاسبة والمساءلة بما فيها الديوان الملكي ، وسقف كلام الملك ، مرتفع جداً ، ولابد ان تتم مقابلته بإجراءات على ارض الواقع.
لنذهب ونسأل رؤساء حكومات سابقين ، ووزراء سابقين ، ونوابا واعيانا ، وشخصيات سياسية ، ورجال اعمال ، واسماء بارزة ، واسماء مختفية في الظل ، ولنسأل كل واحد عن مصدر اراضيه وعقاراته وحساباته العلنية والسرية في الاردن وخارجه.
الحرب على الفساد شعار ترفعه كل الحكومات ، والمجالس النيابية ، لكن لااحد يريد محاربة الفساد حقاً ، لان فتح عش الدبابير سيفتح جهنم الحمراء على مئات الاسماء الاخرى التي ستكر ، الواحد تلو الاخر.
لايوجد تكييف قانوني لمساءلة الناس ، وقانون من اين لك هذا؟ مجمد في ثلاجة المؤسسة التشريعية ، وتحالف الفساد والفاسدين في البلد قوي جداً ، ويبيع الاحلام على الناس ، ويقول لهم موتوا بقهركم ، فالذي سرق قد سرق.
عشرات المرات اورد الملك رسائل واضحة ، ان لاتوجيهات من فوق ، ولاحماية لاحد ، ولاحصانة لاحد ، ولاخطوط حمراء ، ولاقوة مغناطيسية تدير الخطر وتبعده عن فلان وتقربه من فلان.
حسناً.مالذي ينتظره النواب اذاً.هل ينتظرون توجيهات من فوق لاخراج قانون من اين لك هذا؟ام انهم يحمون فاسدين بطريقة ما؟احسب ان الدليل الساطع على صدقية كثيرين هو اخراج قانون من اين لك هذا من غيبته؟.
هل ينتظر النواب غمزة ليلية لاخراج قانون من اين لك هذا؟الا يعرفون ان الدنيا تغيرت ، ولم تعد تدار بغمزة من هنا ، او همسة من هناك؟.
الا تعرف الجهات الرسمية اسماء المالكين لالاف الدونمات في دائرة الاراضي ، الا تعرف الجهات الرسمية مافي حسابات الفراعنة من اموال ، فماذا ينتظرون؟هل ننتظر اللص حتى يقع ، فنسأله حينها من اين لك هذا المال؟.
هذا بلد تم نهب مقدراته ومؤسساته وشركاته ، واراضيه وعقاراته ، والفساد ليس فقط مد اليد الى الخزينة ، بل السمسرة والعمولات والتفاوض في الغرف الخلفية ، ونهب العطاءات والمخصصات ، وانزال الفاسدين وانصارهم ورجالهم الى كل موقع وعنوان.
الملك لايقول كلامه من اجل الاستهلاك المحلي ، ولابحثاً عن الشعبية ، وهذا كلام فيه توجيه الى الحكومة والنواب ومؤسسات المجتمع المدني والاعلام ، لفتح ملف الفساد وطرح كل الاسئلة المحرمة.
لدينا الاف النماذج.ذاك الذي مجموع رواتبه طوال خدمته العامة لاتكفي لتدريس ابنه في جامعة اجنبية ، من اين اشترى كل هذه الاراضي ، من اين بنى بيوته ، من اين له المال النقدي داخل الاردن وخارجه ، من اين اشترى مزارعه ، من اين اثري كل هذا الثراء؟.
محاربة الفساد لاتكون باستمرار الحديث عن فساد مبني للمجهول.نتحدث عن فساد ، ولانتحدث عن فاسدين ، واذا كانت هناك كلفة كبيرة على الدولة اذا تم فتح الملف بأسراره ، وقد تتساقط مئات الاسماء ، فليكن ، ولنعرف من سيدافع عن الفاسدين؟.
يكفينا قهراً من هذه الطبقات التي اثرت بطريقة غير مفسرة ، والاردني الذي يصحو من الرابعة فجرا ليأتي من معان بحثا عن منحة دراسية لابنه ، وتلك العجوز القادمة من جبل النصر في عمان بحثاً عن واسطة لعلاج ، يعرفان انهما من عالم لم يجع لولا الفاسدون.
كلام الملك واضح والحرب الملكية على الفساد معلنة ، لكننا لانسمع من الحكومة والنواب ، اي تسييل لهذا الكلام على شكل قانوني ، وكأن هؤلاء يقولون ان هذا الكلام مجرد شعار ، وعليهم ان يحترموا المنطوق الملكي ، بإخراج قوانين مناسبة ، وبدء معركة المساءلة.
بيننا لصوص وسماسرة ، والادلة تمشي على الارض ، لو كانت هناك نية لفتح ملفات الفساد ، ومقابل هؤلاء لدينا اغلبية شريفة تؤمن ببلدها ، ولاتبيعه ولاتساوم عليه ، تحت اي عنوان.
البلد ليس فقيراً ، والشعب لايستحق ان يكون فقيراً ، وقد تمت السمسرة عليه ، سراً وعلناً ، ولم يتبق الا بيعنا في اول مزاد علني.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)