الأردن يخلو من الإرهاب عام 2023
سعود الشرفات
03-01-2024 10:11 AM
رغم الكم الهائل من الأزمات والصراعات والتوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واجهت الأردن خلال عام 2023م؛ انتهى العام دون أن يشهد الأردن أي عملية إرهابية فعلّية. كما لم تعلن الأجهزة الأمنية في وسائل الاعلام المحلية عن احباط أي عملية، وهو ما يعني "حالة صفر إرهاب" في الأردن عام 2023م، وهي حالة تستحق التقدير والاحتفال والتقييم الإيجابي لكافة أجهزة الدولة خاصة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.
لم يشهد الاردن خلال عام 2023م اي عملية إرهابية فعلّية، كما لم يُعلن عن إحباط اي مخططات ارهابية، لكن كان هناك عملية "متابعة استخبارية" استمرت منذ العام الماضي 2022م وتتعلق بمتابعة أعضاء الخلية الارهابية التي كانت مسؤولة عن استشهاد العميد عبد الرزاق الدلابيح و3 اخرين من مرتبات الامن العام لتي بدأت عام 2022م، وانتهت بتاريخ 9 تموز يوليو 2023م وأسفرت عن مقتل ثلاثة من الارهابين أحدهم كان متهماً بعملية قتل العميد الدلابيح.
ونشير الى أنه خلال الفترة 1921-2023م كانت أشكال وأنواع وأساليب الإرهاب في الاردن تتغير وتتطور بشكلٍ متوازٍ لتطور سيرورة العولمة خاصة آلياتها التكنولوجية المتجسدة في استخدام شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
أنّ تاريخ ظاهرة الإرهاب في الأردن يعكس بشكلٍ كبير الأزمات التي شكّلت مسار تطور الأردن منذ تأسيسه في ٢١نيسان ١٩٢١م. ولذلك فإن الإرهاب في الأردن يخضع لسلوك يشبه "الموجات " (wavelike) دون وجود "اتجاه" (Trend) قوي سواءً سلباً أو ايجاباً بسبب تداخل الأزمات والصراعات والأحداث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية داخل الأردن وخارجه.
ويبدو أنّ السبب الرئيس في هذه الحالة هو انغماس الأردن منذ تأسيسه بعمق في سيرورة العولمة. لذلك فقد انعكست عليه تأثيراتها المختلفة سلباً من جهة أنها جعلته منفتحاً، وهشاً احياناً في مواجهة العولمة. وهذا يعني إن تغيّر القيم المشاهدة لظاهرة الإرهاب في الأردن مع مرور الزمن وخلال القرن الماضي من عمر الدولة الأردنية (1921-2023م) في السلسلة الزمنية لتطور الإرهاب في الأردن جاء نتيجة لتأثير أزمات وعوامل متعددة؛ سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية وتكنولوجية معولمّة أثرت بمجملها بشكل عميق على بنِية وسلوك الدولة والمجتمع.
وقد أظهر مؤشر الإرهاب في الاردن؛ ان الأردن مرّ في تاريخه عبر كافة موجات الإرهاب المعاصر (القومي اليساري، الديني) متأثراً بالأزمات والحروب والصراعات التي عصفت بالعالم ومنطقة الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى حتى اليوم. وهو ما انعكس على دورة الإرهاب واتجاهاته في الأردن التي اتسمت تبعاً لذلك بالموجات مع بعض الأحداث العرضّية كالحروب وموجات الهجرة واللجوء.
لكن؛ ورغم كل الأزمات المتكررة التي واجهها الأردن؛ حافظ بجهود متميزة على وضعه الأمن وبقي يتراوح سنوياً بين قائمة الدول الأمنّة والدول "متوسطة الأمن". حيث جاء في الترتيب (62) من أصلِ (163) دولة في العالم بحسب تقرير "مؤشر السلام العالمي عام 2023" الذي نشره معهد الاقتصاد والسلام في 28 حزيران 2023م. وبقي يتميز بمعدل منخفض من العمليات الإرهابية مقارنة مع دول أخرى في المنطقة، ولكنه ثابت في المعدل السنوي المتوقع، وفي الآونة الأخيرة، شهد الأردن عمليتين إرهابيتين في المتوسط سنوياً منذ ثلاثة عقود.
إن الإرهاب؛ كنوعٍ من العنفِ السياسي يهدف لتحقيق أغراض وأهداف سياسية. ويتغذى على منظومة واسعة من الأسباب والمحركات، لكنه يزدهر في مناطق الأزمات والصراعات السياسية والحروب حتى أصبح أداة من أدوات تنفيذ السياسة الداخلية والخارجية للدول والجماعات، وتقوم به "أطراف فاعلة من غير الدول" لتمّيزه عن إرهاب الدولة كذلك الذي تمارسه إسرائيل اليوم ضد غزة والأراضي المحتلة في فلسطين.
وليس هناك دولة أو مجتمع معاصر محصن ضد الإرهاب العالمي. ومن المتفق عليه اليوم بين خبراء ودارسي الإرهاب في العالم بان الإرهاب هو "الثمرة العفنّة لظاهرة العولمة"، وأنه أصبح ظاهرة معولمّة تتخطى الحدود الجغرافية والقومية والثقافات ولا تختص بمنطقة جغرافية أو قومية أو جنسية أو ديانة محددة، وأنه ينشط اليوم مستفيداً من آليات العولمة التكنولوجية التي زودت الجماعات الإرهابية القدرات على الدعاية، والتجنيد، والتمويل.
وكما سبق أن ذكرت في السنوات الماضية من خلال "مؤشر الإرهاب في الأردن" الذي يصدره (مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب) والذي سيتم نشره لعام 2023م في الأسابيع القادمة؛ لا تزال الأزمات السياسية والصراعات والنزاعات المحرك الرئيس للإرهاب، حيث وقعت أكثر العمليات الإرهابية، وأكثر من 90 في المائة من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في عام 2023 في بلدان كانت بالفعل في صراع مسلح. حيث تشارك البلدان العشرة الأولى الأكثر تعرضا للإرهاب خلال العقد الماضي جميعها في نزاع مسلح واحد على الأقل، وجلها من الدول العربية.
ومن هنا نحذر من أنّ استمرار الحرب في غزة واحتمالات توسعها الى حرب إقليمية، واستمرار ضغط عصابات تهريب المخدرات والأسلحة على الحدود الشمالية يشكل اتجاهات جديدة وخطيرة على الأمن القومي الأردني تستدعي استمرار وزيادة حالة اليقظة والحذر والمتابعة من قبل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية حتى يظل الأردن واحة للأمن ويخلو من الإرهاب.
* سعود الشَرَفات/ مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب .