دروس من غزة .. بلاغة الصورة (9)
د. نبيل الكوفحي
01-01-2024 04:39 PM
الحديث فعل مؤثر كما الكتابة، ولكن حديث الصورة في أحيان كثيرة يعد أبلغ خاصة اذا كان بزمن قليل، فقد تكون صورة جامدة ( لقطة)، لكن حقيقة الحالة وبراعة المصور تخلق منها روحا تنبض بالحياة. وقد تكون صورة متحركة ( فيديو) قصيرة لدقيقة او اقل لكنها تلخص انجازا لساعات وايام وربما سنوات.
معركة قوة السلاح معركة مهمة وهي الأساس في العدوان على غزة، وقد أعدت المقاومة بكل ما استطاعت ولم تدخر في ذلك جهدا وقد ابرأوا ذمتهم. بالاضافة لاعدا الانسان روحيا ونفسيا وجسديا في ملحمة قل نظيرها في العصر الحديث، اثارت ايمان واعجاب الكثيرين من غير العرب والمسلمين.
لم تنسى حركات المقاومة في غزة قيمة الصورة، فجعلت مرافقة الصورة ملازمة لهجوم المجاهد ما استطاعت، وليس ذلك سهلا، في ظل معركة محتدمة والمقاومة لا تملك امكانات جيش نظامي، وتعمل من مسافة صفر، فلا اقمار صناعية ولا طائرات حديثة بتقنيات تصوير عالية.
ان فعل الصورة هدف الى رفع الروح المعنوية للمجاهدين اولا ومن ثم لاهل غزة تحقيقا لقوله تعالى ( ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون) وبالتالي يحقق جزءاً من شفاء القلوب ( ويشف صدور قوم مؤمنين). كما انها ايضا ادامت فعل الشارع في كثير من البلدان، ورفعت مستوى الشعور بالعزة لدى الامة ان الامكانات البسيطة يمكن ان تصنع الكثير والمؤذي للعدو.
بالتأكيد ان ظروف التصوير وادواته ايضا ليست مثالية، لذلك ظهرت بعض الصور ( الفيديوهات) بجودة منخفضة ، لكن ندرة المشهد وبطولته اوصلت الرسالة، وساعدت على توضيحها ببراءة عمل احترافي وهو المثلث الاحمر المقلوب المتحرك كما الدائرة الحمراء احيانا اخرى، حتى اصبحت علامات مسجلة لها.
ومن عوامل بلاغة الصورة ايضا، تلك الرسائل المصورة للناطق الاعلامي ابي عبيدة، فبكلمات مختارة بعناية وباقل الازمان اصبحت محل انتظار الساسة قبل العامة، وعند الاعداء قبل الاصدقاء.
ولا ننسى كذلك تضحيات الإعلاميين والمصورين من مختلف وسائل الاعلام التي نقلت صورا حية وحقيقة لحجم الاجرام والعدوان لكل العالم، مما دحر الصورة السوداوية للمقاومة لدى الغرب عموما التي بنيت على الرسالة الصهيونية، وبالتالي قلب الكثير من المواقف من سلبية الى ايجابية عبرت عن نفسها بسلاسل لا تنقطع من المظاهرات والاعتصامات في معظم مدن دول اوروبا وامريكا، وقد قدمت هذه الاسرة الاعلامية ما يزيد عن 100 شهيد غير الجرحى، فلهم منا كل الشكر والدعاء بالرحمة.
كم تحتاج مؤسساتنا سواء العامة او الخاصة، كما ايضا نقاباتنا واحزابنا وجمعياتنا ان تستفيد من هذا الدرس فتنتفي النافع والقصير والمؤثر لعلها تعظم الصورة الايجابية للمنجزات وتعزز قيم الانتماء والتعاون واحترام النظام والحفاظ على الاخلاق.
نحن نخسر كثيرا نتيجة عدم اهتمامنا بمثل هذه الضرورات، بالرغم من ضخ الكثير الكثير لكنها بلا تأثير لانها لم تركز على الجوهر وركزت على الشخوص اكثر من الافعال. ولعل اصحاب الاختصاص يعيدوا توجيه البوصلة من جديد لوسائل اعلامنا ومؤسساتنا للتعلم من هذا الدرس.
والى لقاء اخر في حلقة عاشرة وأخيرة من سلسلة دروس من اهل غزة ان شاء الله.