الأزمات لا تغير الناس بل تكشف معادنهم، ومعادن البشر السليمة تظل كما هي والفاسدة تظل على فسادها..
يقود الملك عبدالله الثاني موقفا أردنيا مشرفا صلبا إزاء ما يجري من إعتداء إسرائيلي على غزة وكل فلسطين، يتقدم على كل المواقف العربية والدولية، وهل هناك أكثر من أن يرسل أفلاذ كبده إلى ساحات القتال لإيصال الدعم إلى الأشقاء في غزة المذبوحة، والأردنيون يقفون خلفه كالبنيان المرصوص من منطلق وطني وقومي وإسلامي، وطني لأن فلسطين شأن أردني خالص ولا أريد أن أدخل بتفاصيل العلاقة، فهي معلومة للجميع حتى لأولئك أصحاب العيون الرمداء رغم مكابرتهم، وقوميا لأن فلسطين أرض عربية مسلوبة مغصوبة، وإسلاميا، لأنها الأرض المباركة، أرض الأنبياء وأرض الإسراء والمعراج ومهبط الوحي وساحة الرسالات والقدس فيها لا تقل قدسيتها عن مكة والمدينة.
ولأن الملك عبدالله وارث الوصاية الهاشمية على مقدساتها لسنده الديني والتاريخي ، ولأن الأردن عبر التاريخ هو بوابة الفتح لفلسطين كل ذلك يجعل الموقف الأردني مختلفًا، وقدر الأردن أن يكون مختلفا بكل قضايا الأمة عن الآخرين، ورغم هذه الصورة مشرقة الأبعاد والزوايا يخرج علينا البعض بأصعب الظروف وأخطر المنعطفات بأفكار بالية، وفي خضم اشتباك الأردن مع ما يحدث في فلسطين، "تصحو ضمائرهم" وينوحون كذبا ويتحدثون عن حق الأردن على أبنائه بأن يهتموا به هو أولا وأخيرا، وكأن الأردنيون يفرطون في وطنهم إذا وقفوا إلى جانب فلسطين أو قضايا أمتهم، ويضيعون هويتهم ويضحون بسيادتهم على أرض وطنهم وكأنهم يطالبون الاردن بالاعتذار عن موقفة من الحرب على فلسطين بحجة الحفاظ على مصالحه وعلاقاته الدولية ، ويحاول هؤلاء أن يمارسو فرزا بغيضا.
إنهم لا يدركون أن الأردن غير قابل للقسمة على أي رقم ولن يكون أبدًا إلا واحدا موحدا، والأردنيون من شتى منابتهم وأصولهم يعضون بالنواجذ على هذا الوطن، ولا فضل لأردني على أردني إلا بالولاء.
قدر الأردن أن يكون أبناؤه فسيفساء جميلة من منابت وأصول متعددة التقوا على هذه الأرض المباركة وتعاهدوا ليشكلوا نواة شعب عظيم وجزء من أمة سادت الأرض دون النظر إلى أصل أو منبت.
قدر الأردن أن يكون على الخط الأمامي للدفاع عن أمته ويجهد لوحدتها ، لأنه تحت قيادة سادت العرب منذ فجر تاريخهم ولا يمكنها أن تشيح بنظرها عن ظلم ألم بفريق من أمتها، وهذا أحد دعائم موقف الملك إزاء ما يجري في غزة وكل فلسطين.
قضية الأردن أن يظل نسيجه متماسكا ليكون السند للمظلومين من أمته، إذا كان الملك عبدالله الثاني قال أكثر من مرة أنه مطمئن لقوة الجبهة التاريخية وتماسك الأردنيين ووقوفه صفا واحدا خلف قيادته حماية لوطنهم وأمتهم، فلماذا يأتي في الوقت العصيب من ينوح كاذبا يدعي خوفه المزعوم على وحدتنا الوطنية وجبهتنا الداخلية، ثم يحاول أن يظهر أن الأردني مظلوم في بلده ، ويجب على الأردنيين إعادة ترتيب أوراقهم،وهذه دعوة مشبوهة في نية أصاحبها وفي توقيتها.. كما انها مطالبة للأردن بممارسة الانكفاء القطري البغيض ويغلق أبوابه على نفسه ويتنازل عن دوره الريادي في شؤون أمته وبالذات قضية فلسطين .
لقد وصلت السطحية عند هؤلاء لو حدثت مشكلة أو ظهرت قضية في أي مكان في العالم يطلون علينا بأسئلتهم ماذا سيفعل الأردن وما مصيره وعليه إعادة ترتيب أوراقه وهذه بضاعتهم التي يتجرون بها .
ومن قال بأن الأردنيين يخجلون من إظهار هويتهم، فلا أحد بين العرب يعتز بهويته مثل الأردني، ولا أعتقد أن الأردني يخجل عندما يظهر هويته ويعتز بها، والأردنيون لهم مشروعهم الوطني منذ أكثر من مئة عام ونظامهم السياسي أقدم النظم السياسية العربية، راسخ رسوخ جبال عجلون والكرك والبتراء، فلا يزاود أحد على الأردنيين ولا يقدم نفسه ليتحدث باسمهم ،والأردنيون جميعا موحدون حول هويتهم ومشروعهم تحت راية قيادتهم التي ما فرقت يوما بين ناسها ورعيتها .
الذين يسكبون في طريقنا الماء الآسن ويتسللون من خلف الأبواب في ظلمة الليل لإرباك المشهد الوطني ومحاولة خدش الموقف الاردني اتجاه فلسطين
لم يعودوا مخفيين عن الناس، لأنهم كالغربان يتنقلون من جذع إلى جذع حسب مصلحتهم ويتفننون في محاولة بث الفرقة بين الأردنيين بحجة أنهم أحرص الناس على الأردن ، و ما ملكوا يوما موقفا ولا فكرة، يميلون حيث تميل الريح وأين توجد المصلحة أو حسب رأي يوجههم ، يلبسون لباس الوعظ الوطني وهم عن الوطنية بعيدين..
الاردنيون أقوى من كل محاولات الفرز وبث الفرقة، والاردن سيظل لكل أبنائه وكما قلت لا فضل لأحد على أخية إلا بولائه لوطنه..وستظل فلسطين قضية الأردن الأولى يفديها الاردنيون بالدم ...