الأردن 2024: استدارات وتغييرات على نار هادئة
حسين الرواشدة
31-12-2023 12:01 AM
تميزت حركة السياسة في بلدنا، سواء في خطابها العام عند الأزمات، أو في علاقاتها الدولية، بمسألتين، الأولى : الدولة الأردنية لا تتحدث كثيرا، ولكنها تعمل وتفعل، وتتصرف بمنتهى الاتزان والعقلانية، وتضع المصالح العليا، والأمن الوطني، في ميزان الذهب عند تحديد خياراتها، أو اتخاذ قراراتها، حركتها بطيئة، نعم، لكنها مدروسة وموزونة ومحسوبة.
الثانية: الدولة الأردنية العميقة تترك مجالا للإدارات العامة والمجتمع والنخب لكي تتحرك وتجتهد، لكنها تبقى تراقب وتضبط الإيقاع العام، وتصحح المسارات، وفي اللحظة المناسبة تمسكك بزمام القرار، وتوجه البوصلة نحو الواجب الوطني الذي يصب في خدمة الأردن، حاضرا ومستقبلا، هذا ما حدث الآن، وهذا ما يطمئننا على أننا نسير على سكة السلامة.
لمن يشعر بالقلق على الأردن، في هذه الظروف العصيبة، أو لمن يدعو إلى إعلان حالة الحرب، أو تشكيل حكومة طوارئ، أو لمن يبحث عن فرصة لخلط الأوراق، وانتزاع الأدوار، ورفع سقوف المطالب بذريعة مواجهة العدوان، أو تقمص حالة المقاومة، لابد من التذكير بأن الدولة الأردنية تتمتع بالعافية والحيوية، وبأن ما شهدناه، خلال الشهور الثلاثة المنصرفة، كانت تمرينا سياسيا، أخطأنا فيه أحيانا، وأصبنا أحيانا أخرى، لكن استطيع أن أؤكد -وفق معلومات- أن هذا التمرين انتهى، وأن مرحلة جديدة -استدارة إن شئت- ستبدأ عنوانها "ترتيب البيت الداخلي"، في سياق «لا صوت يعلو على صوت الدولة».
يتزامن انطلاق هذه المرحلة من التقييم والمراجعات والتغيرات مع بداية العام 2024، ومن المتوقع أن تشمل كافة المستويات ؛ أقصد إدارات الدولة ومؤسساتها، والمجتمع بأحزابه وإعلامه، وطبقاته السياسية التي مثلت الوضع القائم، ما حدث منذ بداية الحرب على غزة كشف «الحالة العامة»، بما تضمنته من أداء وأدوات، وبما عكسته من بروز أو اختفاء لطبقات سياسية في سدة المسؤولية وخارجها، ومن نخب حزبية وأصوات شعبية، ثم ما طفا على السطح من خطاب عام، رسمي وشعبي، وتحولات غير مفهومة، أحيانا، في المواقف والأدوار، كل هذا -في تقديري - تم رصده وقراءته وتحليله، وعلى أساسه سنشهد واقعا أردنيا جديدا، يتناسب مع استحقاقات ما بعد الحرب، ومع مرور 25 عاما على المملكة الرابعة.
الأهم من ذلك أن ما يدور، الآن، من حسابات اردنية حول امتداد الحرب في المنطقة، خاصة بعد أن أصبحت أذرع إيران مرشحة كهدف ثانٍ لواشنطن وتل أبيب، سيدفع بالضرورة إلى إنتاج حالة اردنية جديدة ومختلفة، تحتاج إلى إدارة سياسية مختلفة أيضا، حيث لا مجال لتكرار بروفات التصعيد التي سمعناها في الخطاب الرسمي والشعبي، وحيث لا مصلحة للأردن في تهشيم علاقاته و تحالفاته، وحيث لابد من بناء عمق استراتيجي مع المحيط العربي (مصر والسعودية تحديدا)، ووضع المصالح العليا للدولة وأمنها الوطني كأولوية لا ثاني لها؛ هذا يحتاج، بالطبع، إلى تغيرات جذرية في الوجوه والسياسات، وهو ما يجري، الآن، طبخه، كما أتوقع، على نار هادئة.
الأردن 2024، في إطار الاستدارات، سيفكر وفق مسارين: التكيف مرحليا مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب وتداعياتها، ثم الاستعداد والتهيؤ للقادم ومفاجآته، -أقصد هنا- أن هذا العام الجديد مزدحم بالتحولات والأحداث والمفاجآت التي تحتاج إلى بناء حالة من التكيف السياسي المرن والحذر، انتظارا لاستحقاقات العام التالي الذي سيشهد تغييرات في واشنطن أولا، وفي أقطاب بالإقليم ثانيا، مما يستدعي الاستعداد للتعامل معها وفق مخرجاتها، هذا يعني أن الانتخابات البرلمانية قد تتأخر لبداية 2025، كما يعني أن استباقها بتغييرات في الإدارات العامة أصبح ضروريا، على اعتبار أن ترتيب المفاصل الداخلية، مقدمة لترتيب أشمل وأوسع، وأعمق أيضا.
"الدستور"