سينتهي العدوان الإسرائيلي السافر غير الأخلاقي ضد الشعب الفلسطيني المجاهد الصابر في قطاع غزة الصمود عاجلا أم آجلا، فهذا حال الحروب عبر التاريخ، كبرت أم صغرت.
ورغم أن الهدف المعلن لآلة القتل الصهيونية الإجرامية هو إنهاء وجود حماس، إلا أن ما تقوم به تلك الآلة الهمجية الجبانة من تدمير ممنهج كارثي للبنية التحتية لقطاع غزة هو الهدف النهائي لها، وصولا، وهو ضرب من الجنون، إلى بلورة واقع إسرائيلي يستيحل معه استمرار مقومات الحياة والعيش في القطاع، وبالتالي إجبار سكانها على الهجرة، وهذا من أضغاث الأحلام لقادة تل أبيب.
وعليه، وإذا ما استثمرنا حالة التعاطف الشعبي العالمي غير المسبوقة مع الشعب الفلسطيني في محنته الحالية من شرق الأرض إلى غربها، فإن ما يتصدر سلم الأولويات يكمن في العمل على إفشال المخطط الإسرائيلي عبر إطلاق ما يمكن تسميته "صندوق إعادة إعمار غزة"، على أن يكون تحت مظلة الأمم المتحدة، لفتح المجال أمام حكومات العالم وقطاعه الخاص ولكل فرد مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية لضخ الأموال، ليكون الصندوق بمثابة العجلة الدوارة لتأمين تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة، والتي تذكرنا الصور القادمة من هناك بما حدث في بعض دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا ألمانيا، من دمار فاق الوصف في وحشيته.
إن ما يحدث في غزة، وما يواجهه أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الصابر المجاهد عبر التاريخ من ويلات بفعل الإجرام الصهيوني هو بمثابة حرب عالمية ثالثة، ولكنها هذه المرة ضد ما يتجاوز مليوني إنسان تتساقط حمم الكراهية والعنصرية والقتل على رؤوسهم كل يوم دون أي ضابط أخلاقي من قوات الاحتلال المتمادية في غلها، ورغم ذلك فما يزال الصمود هو عنوان أهل غزة، متبعين في ذلك قول الله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ".
وإذا كان هذا ديدن الشعب الفلسطيني عبر التاريخ، فإن أقل ما يمكن للعالم الحر المؤمن بالحق والعدالة القيام به، حكومات ومؤسسات وأفرادا، هو الوقوف معهم، وإعادة روح الأمل لهم، عبر بناء القطاع المدمر وتثبيت وجود الشعب الفلسطيني في وطنه وعلى أرضه.
ستحتاج إعادة إعمار غزة إلى عشرات المليارات من الدولارات، ولعل في فكرة إنشاء صندوق دولي خاص بذلك المخرج العملي لتوحيد الجهود العالمية والإسلامية والعربية عبر آلية تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة لضمان شفافية ونزاهة التنفيذ.
وهذا بالطبع يتناغم مع ما أعلنه مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من تعيين الدبلوماسية الهولندية، سيغريد كاغ، في منصب كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2720 لعام 2023.
عملية إعادة إعمار غزة يجب ألا تشمل فقط البنية التحتية هندسيا وتعاقديا وتنفيذيا، بل هناك جوانب اجتماعية وبيئية واقتصادية لا بد من الالتفات لها. وهنا ستلعب الأمم المتحدة، بخبراتها وكوادرها، دورا محوريا أيضا.
وفي المجمل، فإن ما تقدم يشكل فرصة لسكان الأرض جميعا للمساهمة، قدر المستطاع، لإغاثة شعب مظلوم حرم من أبسط حقوق الحياة بفعل آلة الدمار الإسرائيلية. "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".
الغد