أثر وسائل الإعلام في تعزيز الثقافة السياسية لدى الشباب الأردني
عبدالله حمدان الزغيلات
28-12-2023 02:41 PM
تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورًا هامًا في تعزيز الثقافة السياسية، إذ تزود الأفراد بالمعلومات السياسية والوطنية، وتعمل على تكوين وترسيخ قيم سياسية لدى أفراد المجتمع، وتسهم في تشكيل الرأي العام، وتتولى هذه الوسائل في نقل المعلومات والبيانات عن الأخبار والأعمال والقرارات من صناع القرار إلى المجتمع، وأيضًا تسهم في تغطية الجوانب والتفاعلات من كلا الطرفين، هذه العملية من شأنها العمل على ترسيخ قيم الثقافة السياسية السائدة في المجتمع، كما أن الإعلام يواجه تحديات كبيرة، ولذلك فإن عملية التوافق السليم أهم من عملية إبراز العمل، وذلك من أجل استيعاب الدور المحوري للإعلام الهادف إلى تعزيز دعائم بناء المجتمع المتماسك.
شكلت وسائل الإعلام المختلفة في وقتنا الحاضر طريق للحياة، ولا يمكن إنكار مدى الانتشار الواسع لهذه الوسائل، والتي تخطت أقصى المسافات وتجاوزت جميع الحدود، وأحدثت أثرًا واضحًا على كافة الأصعدة، ولا شك في أن فئة الشباب من الفئات المستهدفة في المجتمع، إذ لا يخفى ما لهذه الفئة من تأثير على الفئات الأخرى والمجتمعات المحلية، وبالتالي يؤثر دورهم في الحياة سواء سلبًا أو إيجابًا. يمثل الشباب في الأردن الشريحة الأكبر والأوسع، وأسرع الفئات العمرية نموًا، كما يشكل الشباب تحت سن الرابعة والعشرين حوالي ثلث سكان الأردن البالغ عددهم أحد عشر مليونًا وخمسمائة وأربعة وأربعين ألف نسمة وفق دائرة الإحصاءات العامة (الربع الأخير لعام 2023)، بينما بلغ معدل البطالة 22.3% حسب التقرير السابق، وجل هذه النسبة بين صفوف الشباب، فإن الشباب لا يمثلون المستقبل فحسب، بل هم الحاضر المعاصر وأدواته أيضًا، ونتيجة للثورة التكنولوجية والعولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، ازداد التواصل فيما بين شباب اليوم أكثر، وأصبح صوتهم عاليًا يجوب أنحاء المعمورة، ومؤثرًا على نحو كبير، فهم يشكلون طاقة كامنة يجب استغلالها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
لذا فإن هذه الفئة المستهدفة تمتاز بسلاسة تعاطيها مع الثورة التكنولوجية وأدواتها، فالحاسوب وشبكة الإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة وبرامج الذكاء الاصطناعي أصبحت في متناول أيدي الشباب في سهولة ويسر، بينما تعتبر التكنولوجيا بالنسبة للأجيال الأكبر سنًا تحديًا، فهم لا يمتلكون مهارات الحلول التقنية السريعة، كما أن أنماط السلوك التي تطرح الآن جراء هذه الثورة من عادات ثقافية وسلوكيات اجتماعية موجهة بالدرجة الأولى لفئة الشباب، لأنهم الأقدر على التقبل والاستجابة السريعة لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف، خاصة إذا كانت تقدم لهم بوسائل مبدعة وبطرق تقنية تؤثر على جوانبهم وفضولهم.
إن النظرة السريعة على واقع الشباب في الأردن تكشف لنا مدى عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، وضعف مشاركتهم المدنية حتى في قضايا مجتمعاتهم المحلية، وهذا نتاج ضعف الثقافة السياسية والتي تعتبر جزءًا من الثقافة العامة السائدة، الشباب اليوم يسعون خلف الإعلام بوسائله المختلفة باحثين عن الحقيقة في ظل التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والإنترنت والفضائيات، ودخول العالم في مرحلة العولمة، كمنظومة ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية، يجب أن تستغل التأثيرات القادمة عبر شبكة الإنترنت والمحطات التلفزيونية الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي لدى الشباب من خلال تعزيز أدوار المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل:
- استثمار طاقات ومهارات الشباب واستغلالها للمصلحة العامة.
- تشجيع الشباب أصحاب المواهب والهوايات المختلفة، وتوجيههم التوجيه السليم.
- زيادة الاهتمام بالتعليم والتدريب، والتركيز على أن تتم العملية التعليمية على أساس منهجي وتطبيقي بعيد عن الأسلوب التقليدي التلقيني.
- نشر مفاهيم الشفافية والنزاهة والمسائلة ومبادئ الحوكمة الرشيدة.
- محاربة الغلو والتطرف، والتركيز على نشر الافكار الوسطية وتعزيز مفهومي التسامح والاعتدال.
- العمل على دراسة القضايا المجتمعية السائدة بوسائل البحث المتقدمة وتقديم حلول نوعية وجقيقية قابلة للتطبيق.
- غرس القيم والممارسات الديمقراطية لدى فئة الشباب، وذلك من خلال تكريس أساليب الحوار وتبادل الآراء في الغرف الصفية في المدارس والجامعات والمراكز المجتمعية.
- نشر الوعي السياسي بين فئة الشباب، الذي يمكنهم من الإلمام بالواقع المعاش ومواجهة التحديات.
تطورت وسائل الإعلام بشكل غير مسبوق حتى غزت العالم بأسره، وهناك أعداد كبيرة من المؤسسات والمنصات التي تؤثر بشكل مباشر على الرأي العام، وأصبحت وسائل
الإعلام المختلفة قوة لا يستهان فيها، والتي تهيمن على التفكير وأنماط السلوك. مما لا يدع مجالا للشك أن الإعلام يساهم بشكل كبير في تكوين الفكر السياسي لدى الشباب، كما يعزز من تسويق الشخصيات والأفكار التي تصلهم من خلال هذه المنصات، والشباب مهيئون أكثر من غيرهم بالتأثر بهذه شخصيات التي تظهر على شاشات التلفزة، كما يتفاعل الشباب بالخطابات السياسية والاجتماعية التي تمثل دور البطولة، ذلك لأن الشباب في مرحلة معينة لتكوين الشخصية التي تؤثر فيهم.
لقد أسهمت وسائل الإعلام المختلفة في توعية الشباب بالقضايا على جميع المستويات المحلية والإقليمية وحتى العالمية. وعليه فإنه لا بد على الجهات المعنية بالشأن الشبابي العمل على استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تسخير جميع الإمكانيات المتوفرة في تشكيل اتجاهات الرأي العام تجاه مختلف قضايا المجتمع في حين الآن أصبحت دول العالم المتقدم تعتمد على ثلاثة محاور رئيسة في بناء الدولة القوية وهي: السياسة (وتنعكس على درجات الثقافة السياسية السائدة التي تؤثر على البرامج السياسية الداخلية والخارجية) والاقتصاد والإعلام. إن حرية الإعلام قوامها النهج الديمقراطي وتوفير أدوات مهنية وتقنية في ضوء قوانين وتشريعات من شأنها تعزز من هذه الممارسات، والتي بدورها تساهم في إبراز الثقافة السياسية لدى الشباب وبصورة واضحة ومشرقة، وتتجلى من خلال إفساح المجال لهم بصياغة المحتوى الإعلامي الشبابي والمشاركة الإعلامية كنوع من المشاركة السياسية، فالتعددية والمشاركة هي من أهم أسس الديمقراطية.