المقاومة حياة بدل المفاوضات حياة ..
محمد حسن التل
27-12-2023 04:29 PM
قلت بعد السابع من أكتوبر الماضي تاريخ بدء معركة طوفان الأقصى ثم إعلان إسرائيل الحرب الشاملة على غزة وهدير الشارع العربي والاسلامي من هذا المنبر المحترم "عمون" أن هذا الحدث التاريخي الكبير أكد أن مجموع الأمة لا زال بخير وضميره حاضرًا تجاه فلسطين، ولم تلوثه سياسات النظام العربي الرسمي، وأن بوصلة مجاميع الأمة لا زالت تؤشر على فلسطين كما تؤشر إلى الكعبة في اليوم خمس مرات.
ومن أهم نتائج المعركة أنها أزالت الوهم الذي ملء عقول الكثيرين من الرسميين العرب في تفكيرهم اتجاه فلسطين، وأن كل محاولات القفز عن أسوار القدس وفلسطين تجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني قد فشلت في لحظة إطلاق أول صاروخ من غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة ودك المستوطنات المحصنة والجدر العالية، "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر".
ومع أول قدم مجاهد من القسام داست الأرض المحتلة، واكتشف هؤلاء أن قفزتهم كانت في الريح، والفرق كبير بين الريح والرياح، فالريح تحمل العذاب والرياح تحمل الخير.
لقد خطت المقاومة الفلسطينية عند فجر السابع من أكتوبر اول سطر جديد في صفحة جديدة لتاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وأعلنت أن الشعب الفلسطيني أصبح له شوكة، وأن الأكف المتوضئة باتت قادرة على مواجهة المخرز الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا على اتساع الخريطة خلف المتوسط والأطلسي ، وسقطت فكرة أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية، قائمة فقط على تأمين حياة شبه كريمة للفلسطينيين لا أكثر ولا أقل كما سعت أمريكا وإسرائيل وكثير من العرب ..
أردت هذه المقدمة قبل أن أشير إلى النداء الموجه لقيادات فصائل العمل الوطني الفلسطيني وشخصياته الوطنية من قبل شخصيات عربية وإسلامية وازنة،عبر بيان تضمن الإشارة إلى السابع من أكتوبر باعتباره دخول الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة في معركة التحرير، وأنه ما كان يصلح قبل السابع من أكتوبر لم يعد يصلح لما بعده، واعتبار هذا التاريخ فرصة لاستحداث مسارات تطور جديدة للقضية، واعتبار ما جرى فرصة عظيمة يجب البناء عليها والاستفادة منها كحدث تحول كبير، وإلا فإنها ستكون كارثة في ظل مواجهة عدو وأعداء يريدون ليس فقط إنهاء القضية الفلسطينية، بل رأس الشعب الفلسطيني نفسه، وطالب البيان القيادات الفلسطينية الوطنية على مستوى الفصائل في التحرك الفوري، لوضع مبادرات ترتقي إلى مستوى الكارثة والبطولة في غزة، وكل فلسطين وتواجه المبادرات المشبوهة التي تقدم وكلها ليست لصالح فلسطين والفلسطينيين.
الشخصيات العربية والإسلامية التي أصدرت البيان كانت قد قابلت كانت مجموعة منهم قيادة حماس في الدوحة، خرج هؤلاء مرتاحين مما سمعوا من القيادة مطمئنين للوضع في غزة، وقدموا معالم خطة طريق اعتبروها تشكل بداية لاستنقاذ فلسطين، قضية وشعبا ومقاومة، ولبذل كل جهد متاح لوقف العدوان على غزة، ومواجهة خطط التهجير الموجودة في عقل القيادة الإسرائيلية وحليفتها أمريكا وكثير من العرب، بتصفية القضية أولوية لا تتقدمها أولوية، وإسناد المقاومة الفلسطينية وتمكينها من إتمام صفقة تبادل تقضي بتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، ومن النقاط المهمةايضا التحذير بقوة من المؤامرات التي تحاك في الغرف المظلمة لخلق قيادة وإدارة على المقياس الإسرائيلي، والمبادرة إلى تشكيل مرجعية فلسطينية شاملة مؤقتة وانتقالية، تضم جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية من دون استثناء في الداخل والشتات، كما تضمنت الاقتراحات تحرير السلطة ومنظمة التحرير
من قيود أوسلو التي انقلب عليها الاحتلال، وبمناسبة ذكر منظمة التحرير، يجب التذكير بأنها هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وليس السلطة ولكن تغول الاخير عليها وإفراغ مؤسساتها وتجميد صلاحياتها مع ان الرئيس الراحل ياسر عرفات وقع اوسلو تحت مظلتها وكان من المفروض أتكون السلطة مؤقتة وأداة تسير الأمور بأسم المنظمة ولكن جرى ما جرى الأم الذي جعل المشهد الفلسطيني السياسي بحال من الضعف والفوضى ..كما تضمن بيان المبادرة التخلي عن استراتيجية المفاوضات حياة، واستبدالها باستراتيجية المقاومة حياة، وقد تضمنت الخطة اقتراحات عديدة مهمة يجب التعامل معها بجدية، وطالب البيان وناشد القادة الفلسطينيين الوطنيين الالتقاء دون تردد، وبسرعة، والعمل الموحد لإطلاق مبادرة توحيدية وانقاذية والتقدم بمشروع وطني فلسطيني جامع لكسب الحرب أولا والاستعداد لما بعد الحرب، حتى لا يكون قطاع غزة ساحة مفتوحة للمشاريع المشبوهة، وحقل اختبار دام لمؤامرات تصفية القضية.
البيان الذي أصدرته الشخصيات العربية والإسلامية يؤكد من جديد أن فلسطين هي الأهم لمجموع الأمة رغم محاولات الفصل بينها وبين فلسطين، على اعتبار أن القضية شأن فلسطيني لا علاقة لأحد فيه، وهو الشعار الذي عمل عليه سنوات طويلة الإسرائيليون والأمريكيون وكثير من العرب، العرب الذين باتوا يشعرون أن فلسطين وقضيتها أصبحت عبئا عليهم، يجب الخلاص منه
ألم ينتبه دعاة السلام والتسليم أن المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر قد أفشلت مخططاتهم وأفسدت أحلامهم خلال ساعات معدودة في إنهاء القضية.
وظهروا وكأنهم ينطبق عليهم قول الشاعر:
سوف ترى عندما ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار!!
إن المبادرة التي أطلقتها الشخصيات العربية والإسلامية يجب أن تشكل نواة لتأسيس مجموعات ضاغطة في كافة الدول العربية والإسلامية لتطوير مواقف هذه الدول اتجاه فلسطين وإقناعها أنه لا يمكن لقضية فلسطين أن تنتهي وأن يبقى الاحتلال جاثم على صدور أصحاب الأرض، وإقناعها أن العدو نفسه لا يريد السلام وأن عينه ليست على فلسطين فقط، بل أبعد من ذلك بكثير، لقد أشرت هذه المبادرة أن العرب والمسلمين لا زالوا يملكون ثروة كبيرة من المفكرين والسياسيين أصحاب ضمائر حية ووطنية صادقة اتجاه قضايا أمتهم على رأسها فلسطين، رغم كل محاولات إظهار الأمة بأنها أصبحت فقيرة للفكر والثقافة والوطنية والرجال. لقد اصبح واجبا على كل الفلسطيينين وخلفهم العرب والمسلمين العمل للبناء على انجاز الدم الذي قدمته المقاومة في غزة وحاضنتها الشعبية كذلك في الضفة الغربية لجعل اللحظة لحظة تحول جذري لمسار الصراع مع الصهاينة.