نظرة الفلسطينيين لما بعد الحرب
د. مروان المعشر
27-12-2023 08:47 AM
بينما بدأ المجتمع الدولي والعديد من مراكز البحث بالحديث عن مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وطرح سيناريوهات متعددة للإجابة على أسئلة مستعصية عمن يحكم غزة بعد الحرب، أو فرص إطلاق أي عملية سياسية لحل الصراع، هناك عامل لا يؤخذ بالمستوى المطلوب من الجدية لدى إعداد هذه الطروحات، وهو الرأي العام الفلسطيني في الأراضي المحتلة، أي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لا يمكن أن تتوفر عوامل النجاح لأي خطة مستقبلية دون الانتباه لنبض الشارع الفلسطيني تحت الاحتلال من الآن فصاعدا.
من هنا، يكتسب استطلاع الرأي الأخير الذي قام به المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإدارة خليل الشقاقي أهمية خاصة، فعدا عن كونه المركز الأبرز والاكثر مصداقية فلسطينيا في إجراء مثل هذه البحوث، فإنه يلقي الضوء للمرة الأولى على رأي الشارع الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما أنه أجري وجاهيا في الفترة بين 22 أكتوبر/تشرين الأول و2 ديسمبر/ كانون أول من هذا العام، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة (خلال فترة الهدنة). وفي حين أن أي استطلاع للرأي يمثل إطلالة في وقت معين لرأي الناس، فإن تجاهل هذا الرأي ستكون له عواقب وخيمة على أي خطط يجري إعدادها.
غطى الاستطلاع جوانب كثيرة لا مجال لتعدادها جميعا في هذا المقال. لكنه ألقى الضوء على المزاج العام في هذه الفترة فيما يتعلق لأمور عدة أود تسليط الضوء عليها.
الأمر الأول يتعلق بمن سيحكم غزة بعد الحرب. يتنبأ 64٪ من المستطلعين (73٪ من الضفة الغربية و51٪ من غزة) بأن حماس هي من سيحكم، بينما أبدى 60٪ (75٪ من الضفة الغربية و38٪ من غزة) تفضيلهم لحكم حماس بعد الحرب على أي سيناريو آخر. ما يقوله الاستطلاع هو أن أي سيناريو يتم وضعه لمرحلة ما بعد الحرب لا يستطيع تجاهل حماس على الإطلاق، وأنها فرضت نفسها كلاعب هام على الساحة في المرحلة المقبلة.
يلاحظ هنا التباين الكبير لتأييد حماس بين أهل غزة وأهل الضفة الغربية، بحيث أن شعبية حماس أعلى بكثير في الضفة الغربية منها في غزة، ولعل ذلك مفهوم بعد المعاناة الكبيرة التي تتحملها غزة جراء العدوان الإسرائيلي.
بالمقارنة، فإن 7٪ من المستطلعين فقط يرغبون في أن تحكم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس غزة بعد الحرب، كما أن 3٪ فقط يؤيدون قدوم قوة عربية لإدارة غزة، وأن 88٪ يرغبون بأن يستقيل عباس من منصبه. هذه الأرقام هامة وربما صادمة لأي سيناريوهات دولية تطرح اليوم تفترض فيها أن السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي ستكون مقبولة لإدارة غزة.
فيما يتعلق بمن يفضل الفلسطينيون من القوى السياسية في حال أجريت انتخابات تشريعية، فإن حماس ستحصل على 43٪ (44٪ في الضفة و 38٪ في غزة) بينما ستحصل فتح على 17٪ (16٪ في الضفة و 25٪ في غزة) بينما ستحصل القوى الثالثة (عدا فتح وحماس) على 23٪ (أكثر من فتح) وأبدى 17٪ عدم اتخاذهم قرارا بعد لمن يصوتون). مرة اخرى، يلاحظ الدعم الكبير لحماس اليوم، ويلاحظ أيضا أن القوى الثالثة في المجتمع تتفوق على فتح اليوم.
ونظرا لأن النظام الانتخابي الفلسطيني نظام نسبي، ستتمثل كل هذه القوى في المجلس التشريعي المقبل، وسيكون من المستحيل تجاهل حماس كقوة سياسية لدى الحديث عن أية عملية سياسية مستقبلية. كما أنه من الواضح عدم نجاعة سياسة الحديث مع السلطة الوطنية الفلسطينية بشكلها الحالي فقط، فقد تجاوزتها كل من حماس والقوى الثالثة في المجتمع الفلسطيني.
أما بالنسبة لمن يفضل الفلسطينيون أن يقودهم في مرحلة ما بعد الرئيس عباس، فهناك أكثرية كبيرة اختارت الأسير مروان البرغوثي (36%) يتبعه وبفارق كبير إسماعيل هنية (19%) يحيى السنوار (16%) محمد دحلان (4%) بينما اختار حسين الشيخ وهو ربما بين المفضلين لدى الرئيس عباس 1% فقط.
وفيما يتعلق بشكل الحل النهائي للصراع، فإن 64% من الفلسطينيين يعارضون فكرة حل الدولتين، كما يؤيدها 34% فقط، وإن 65% يعتقدون بأن حل الدولتين لم يعد ممكنا من الناحية العملية بسبب التوسع الاستيطاني.
وفي تطور لافت أيضا، ولدى سؤال عن الطريقة المثلى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن 63% من المستطلعين (20% في الضفةو 56% في غزة) أجابوا بإنها المقاومة المسلحة، مقارنة بـ 20% ممن يفضلون المفاوضات، و 13% ممن يؤمنون بالمقاومة السلمية. لم تكن هناك أغلبية فلسطينية تؤمن بالمقاومة المسلحة قبل عشرين عاما، مما يعني التخلي عن الوسائل السلمية اليوم وعدم الاقتناع بأنها أتت بنتيجة لإنهاء الاحتلال.
هذه نتائج تؤشر لتطورات هامة في المزاج الشعبي الفلسطيني، ولعل عدم جدية المجتمع الدولي في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية إنْ استمرت ستعني تحولا نحو المقاومة المسلحة في المرحلة المقبلة ولوقت طويل. يحسن المجتمع الدولي صنعا إنْ درس هذه النتائج جيدا واستخلص العبر اللازمة وابتعد عن طروحات لا تمت للواقع بصلة.
القدس العربي