ما اصعبها من لحظات عندما يتقاعد الرئيس او القائد او الزعيم الملهم مرغما, ويلزم بيته ويجلس وحيدا من دون ونيس وهو يراقب الشاشات تنقل احتفالات الجماهير وهي ترقص فرحا في الشوارع برحيله وخلاص الشعب منه.
يالله ما اقساها من لحظات, عندما يجلس الرئيس"المخلوع" في بيته ينظر لصوره تداس في الشوارع, بارجل طلاب المدارس والجامعات الذين لم يعرفوا زعيما غيره.
اين هم الخدم والحشم ? اين هي القرارات والاختام والنياشين? اين قوات الامن والحراسات والجيش ? اين حرس الشرف ? اين السجاد الاحمر ? اين الاعلام ووسائله التي كانت تزين كل الاخطاء والخطايا ? اين التقارير ? اين المستشارون?
انه موقف لا يشبهه الا موقف الطاووس, عندما ينتف ريشه زاهي الالوان, فلا يعود مختالا بنفسه, لانه تحول الى كومة لحم احمر, وليس من هم لديه سوى الوقوف على رجليه اللتين ما عادتا تحملانه, ينظر للناس خجلا, لانه لا يستطيع ستر العورة لا اكثر.
مؤسف ان كثيرا من الطواويس لم تحسب حسابها لليوم الاخير على الكراسي وفي السلطة, ولم تفكر ولو للحظة بسقوط الاقنعة وتحول المعجبين بالرئيس الى ثوار, وتحول العسكر والحرس الى اعداء.
كثيرون من الطغاة بنوا منظومات عسكرية واشتروا كل انواع الاسلحة والتجهيزات وسيارات رش المتظاهرين بالمياه والغازات والهراوي للتعامل مع الجماهير, لكنها تحولت الى سراب, كثيرون بنوا مؤسسات اعلامية وقنوات تلفزيونية واطلقوا اقمارا صناعية, لكنها في لحظات لم تصمد امام "الجزيرة", قبل ان يقرر شباب "الفيسبوك" اسقاطهم.
لكن غاب عنهم فكرة واحدة "إن من لا يحميه شعبه, لن يحميه قمعه وجبروته وكذبه" وان من لا يتقن لغة الفقراء والضعفاء وبسطاء الناس لا يمكن ان يكون قويا, فالشعوب تمهل ولا تهمل, وتعرف كيف تقتص لنفسها, وتعرف متى تتحرك وكيف تتحرك, وتعرف عدوها وعدو بلادها, انها شعوب حية لا يقلقها مصير الطغاة والفاسدين, بل تعرف انهم سائرون في اتجاه واحد لا يقود الا الى مزابل التاريخ.
لقد اثبت شباب الثورات العربية عقم الاحزاب التي لا تسعى الا الى الحكم والاستئثار بالسلطة بينما "الشباب" اسقطوا السلطة وتركوا الحكم وعادوا الى بيوتهم واعمالهم وجامعاتهم, بعد أن علموا "العوام" كيفية إعادة انتاج مفهوم المعارضة الديمقراطية الحقيقية القادمة من القاع.
انها مرحلة تاريخية ترتسم فيها معالم قوانين وفلسفات جديدة قائمة على إن إرادة الشعوب يجب ان ترتبط بمصالحها, وان صناعة التاريخ, حرفة شعبية لا نخبوية, وان الثورات والحروب تقودها "الكاميرات", والاقلام لا الدبابات والطائرات.
nghishano@yahoo.com
(العرب اليوم)